الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الإسلام شرط في وجوب الزكاة

صفحة 461 - الجزء 1

  مَن لا ينطق عن الهوى قد سَهّل المطاف، وأدنى القطاف، فقد شبَّه خمسهن ببيت معمور له أجزاء، أَوْ له أركان، لا يتم أن يكون بيتاً إلا بكل أركانه، ليست واحدة شرطاً والأخرى مشروطاً، فحينما قال: «بُني الإسلام ....» فهي طريق من طرق الاستعارة عند أهل البيان، ثم حذف المستعار منه وهو «البيت» وجاء بشيء من لوازمه⁣(⁣١) وهو «الأركان».

  وهو قريب من بحث جار الله العلّامة في قوله تعالى: {يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ}⁣[الرعد: ٢٥] حيث شبَّه اللَّهُ العهدَ بالحبل ثم تناساه وجاء بشيء من لوازمه وهو النقض.

  فالذي صح لي وترجح أن خمسهن أركان، لا شرط ثَمَّ ولا مشروط، فاعقد على ما حررته بنواجذك.

  ويؤيد ما ذهبت إليه ما شرحه الإمام البغوي في «شرح السنة» عند كلامه على حديث جبريل #، ومسألته للنبي ÷ «عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة» في الجزء الأول ص ١٠ وص ١١، حيث قال: جَعَلَ النبيُّ ÷ الإسلام في هذا الحديث لِمَا ظهر من الأعمال، وجَعَلَ الإيمان لما بطن، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان - والتصديق بالقلب ليس من البر - بل ذلك مفصِّل لجملة هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين، ولذلك قال ÷: «ذاك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم».

  والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعاً يدل عليه قوله سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ}⁣[آل عمران: ١٩]، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}⁣[المائدة: ٣] {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}⁣[آل عمران: ٨٥] فأخبر سبحانه أن الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ولن يكون في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل. اهـ المراد.

  نعم هذا ما يتعين الأخذ به وتدريسه، وقد ذهب الناس في هذه مذاهب ولا حجة لأي قائل، وإنما آراء وأفكار بلا طائل، فعضَّ على هذا بالنواجذ، والحمد لله الذي يهدي لنوره من يشاء، والفضلُ في هذا المقام أولاً لرسول الله ÷ فهو أَحْكَمَ تشبيه أركان الإسلام ولم يجعل بعضها شرطاً لبعض.


(١) أي لوازم المحذوف.