وجوب الزكاة في المستغلات
  ومع اعترافه بإجماعهم فما الغرض من نقل أقوالهم وقد اتهمهم بأنهم قالوا على الله مالم يقل، وأوجبوا على العباد مالم يجب، ولم يتنزه من هذا إلا مسلوب التوفيق.
  وإن أراد بغرابة ما أصّلوه أنه ليس من الدين ودخيل عليه فقد أعظمَ الفريةَ على الله وعلى رسوله وعلى عباده العلماء العاملين.
  ويتّهم العلماء بأنهم اخترعوا المسألة من ذات أنفسهم حيث يقول: «إن هذا مما لم يُسمع به في الصدر الأول» اهـ. يعني أنهم افتروا كذباً على شريعة رسول الله! وهذه جرأة لا تأتي من قلب سليم ولا من عقل صحيح ولا من ذي غرض نبيل، فجانبُ العلماء أنقى وأطهر، والجميعُ يعلمون أنه لا غرض لهم إلا إثبات حق أو إزالة باطل، مستندين في كل مُثْبَتٍ ومُزالٍ إلى أحاديث وآثار صحيحة تقوم بها الحجة.
  ثم قال مسلوب التوفيق: «إنهم عولوا على القياس والقياس مختل بوجوه منها: وجود الفارق بين الأصل والفرع» اهـ. ولم يأت بغير هذا الوجه.
  وهب أنهم عوّلوا على قياس، هل هم ناقصون في عربية أو أصول أم هم مَن أسّسه ونمَّاه، وغرسَه وسقاه، على أن كتبهم طافحة بأدلتهم، وقياسهم في غاية القُوّة والمتانة، والوضوح والإبانة، فهم أقاسوا الدُّور على أموال التجارة بجامع الاستئجار والاستغلال، وحيث اتضح أن العلة في أموال التجارة هي الإثمار والنماء؛ لأن بعضها لا زكاة في أعيانها أصلاً وإنما وجبت حيث سُلِكَ بها مسلك التجارة، والعلة الموجبة في الأصل: «وصف ظاهر منضبط» والدور المعدَّة للاستغلال أقيست عليها لهذا الوصف الجامع بينهما، فأين أنت يا «إرشاد الفحول»، من علم الأصول، ورحم الله شيخنا محمد البهلولي كان يقول: «والمخاصي لمن يا شوكاني؟!».
  نعم: القياس مما يجب التعويل عليه، ولا حجة لنفاة القياس، لأن القايس لم يثبت حكماً من تلقاء نفسه بالقياس، وإنما تنبّه بالقياس على وجوب إلحاق الفرع بالأصل، لحصول