الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

في سبيل الله

صفحة 520 - الجزء 1

  وموقف الناس مع رسول الله ÷ مشهور فالرغبة للخروج في سبيل الله عند الصحابة الراشدين هي السمة المعروفة، كما كان التخلف والريث من خلال المنافقين قال سبحانه: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِين ٤٤ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُون ٤٥}⁣[التوبة]، ثم انظر إلى تناهي الرغبة في الصادقين من خلال قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء ...}⁣[التوبة: ٩١] إلى قوله: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُون}⁣[التوبة: ٩٢]، هذا غاية مرادهم لا لمال ولا لجاه، يريدون أن يدفعوا الثمن ليستلموا المبيع الموثق في قوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}⁣[التوبة: ١١١] فالرغبة المتّقدة في نفسه وبين جوانحه مرضاة الله سبحانه، وإن كان معسراً فإنما يريد ما يبلّغه المعركة بما يلزم لها لا ليدّخر ولا ليفتخر، وإذا ما احتاج إلى ما يلزم للمعركة وفي الزكاة ما يحمله وجب حمله، أما أنه يفرض له فرض وهو غني مقيم لأجل أنه كان مجاهداً، وهناك أكباد حرّى أحوج منه، فالظاهر لا؛ لأنه لم يجاهد لعاجل الدنيا إلا قليل الإيمان كما قال تعالى: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}⁣[آل عمران: ١٥٢]، وللوالي أن يعطيه من غير الزكاة من العشور والخراج، أما الزكاة فهي مختصة بالأصناف الثمانية.

  وقد صرح الفقيه في بحث [جواز صرف الزكاة في صنف واحد] وسيأتي قريباً، فقال: «إن الله جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير سائغة لغيرهم» اهـ.

  وهاهنا أدخل العلماء في مصارف الزكاة وادعى أن لهم نصيباً فيها سواء كانوا أغنياء أو فقراء! ولا أدري من أي آية أخذها، أما آية التوبة فلا وجود لما زعم، وعند الحديث عن ابن السبيل شد عليه الخناق وأنه لا يعطى إلا إذا عزّ عليه القرض!

  على أن عهدنا بالعلماء (بوّأهم الله مقام الأنبياء) أنهم ورثته⁣(⁣١) يسلكون سبيله؛ لأن العلم الصحيح يلازم الورع الشحيح.


(١) أي ورثة مقام الأنبياء. تمت شيخنا.