في سبيل الله
  وإن كان في عهد أحدهم من أئمة الجور ممن يقتلون النفس الحرام، لا يتولون معه ولا يدخلون عليه، هكذا عَهِدْناهم حتى روي عنهم أن (العالم على باب الظالم كالذبابة على الأذى) وإذا دخل عليهم وتردد على أبوابهم فلا يوثق بعلمه، وقد انتهى الحال ببعضهم إلى موالاة أولياء الكفر طمعاً في السحت مع علمهم بأنهم أولياء نصارى ويهود! ثم لا يخجلون فيعظون الناس، ويفتون، ويُصَلّون بهم!
  وحينما خالط محمد بن شهاب الزهري بعض ولاة السوء كتب إليه أخ له: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك ويرحمك، أصبحت شيخاً كبيراً، وقد أثقلتك نعم الله بما فهَّمك من كتابه، وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاقَ على العلماء، قال سبحانه: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: ١٨٧] واعلم أن أيسَر ما ارتكبت، وأخفَّ ما احتملت، أنك آنست وحشة الظالم وسهّلت سبيل الغي بدنوّك ممن لم يؤد لله حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك، اتخذوك قُطْباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلّماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، ويدخلون الشك بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم: ٥٩] فإنك تعامل مَنْ لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداوِ دينك فقد دَخَله السَّقَم، وهيّئ زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء. اهـ المراد.
  ولبعضهم:
  قل للأمير نصيحة ... لا تركنن إلى فقيه
  إن الفقيه إذا أتى ... أبوابكم لا خير فيه
  وأختمها بمقطوعة بليغة في الموضوع نفسه:
  يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أَحْجَما