لا تنافي بين الحقيقة والمجاز
  أما الحقيقة والمجاز فليسا ذَوَيْ وضع واحد؛ إذ الوضع إنما هو للحقيقة فقط وانتقل منها إلى المجاز.
  مثال ذلك: قال سبحانه: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}(١) الأصل في الملامسة اللمس باليد وهو موضوع له لكنه غير مراد فانتقلنا منه إلى المراد وهو المجاز وهو الوطء.
  وقوله ÷: «بيعوا الصاع بالصاع» الأصل في الصاع هو الذي نَكِيلُ به، قال تعالى: {نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ}(٢) والصواع جمع صاع، فقوله: «بيعوا الصاع بالصاع» حقيقةً هو ما يكال به، ولكنه غير مراد، انتقلنا منه إلى المجاز وهو المكيل به، وهو المراد.
  ثانياً: قوله: «إن كلام صاحب الكشاف اضطرب في شرحه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ ....} الآية»(٣). اهـ، وسرد بعض مَقُوله ولم يبين وجه الاضطراب، ونحن في حيز المنع من وجود أي اضطراب على أنه - أي جار الله - هو الإمام الذي لا يُدافَع في عربية ولا أصول ولا بيان، واعترف له المحققون من أعدائه واغترفوا من بحره.
  ثم قال: «وبيانه(٤) أنه لما أراد المعنى الموضوع له كان غير مريد للمجاز، ولما أراد غير المعنى الموضوع له كان غير مريد للحقيقة» ا هـ كلامه.
  أقول: نعم: مجرد الإرادة غير مرادة(٥)، وغير معتد بها عند علماء الأصول والبيان، ولا بد عند إرادة المجاز المرسل من العلاقة(٦)، وإلا فالأصل الحقيقة، وهي المفهومة عند التخاطب.
  ثم قال: «وهذا من باب التخصيص للعموم بالعلة» ا هـ كلامه.
  أقول: لا يخفاك أن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، وأما دلالة العموم على أفراده فظنية عند الشافعي خلافاً للحنفية.
(١) سورة النساء آية ٤٣.
(٢) سورة يوسف آية ٧٢.
(٣) سورة التوبة آية ١٨.
(٤) بيان استحالة الجمع بين الحقيقة والمجاز.
(٥) بل لابد من القرينة. تمت شيخنا.
(٦) القرينة.