مقدار الفطرة
  يبسطون القول ويجادلون تحت أدلة أحياناً لا يعلونها، يقبلونها ويجعلونها مخصصة لأحاديث صحيحة سنداً ومتناً مدعومة بإجماع الصحابة وعملهم، وموقف الفقيه الآن هكذا.
  فقد ادعى أولاً أن هذا القول ليس لمعاوية وحده وإنما هو قول زمرة من الصحابة أولهم علي #، على أن القضية إنما حدث فيها التغيير عندما قدم معاوية من الشام حاجاً أو معتمراً فقال: إن نصف صاع من بر أهل الشام يقوم مقام صاع، وحينئذٍ أخذ بقوله مَنْ أخذ، ونبذه مَنْ نَبَذ، وعلي وابن عباس يومئذ لا عهد لهم بصاع الشام، ومن أقبح اعتذاره قوله: «إن ما كان عليه أبو سعيد وغيره من التزكية بالصاع لم يظهر أن النبي ÷ كان على علم به مع أنه غير مصرح باطلاع رسول الله ولا تقريره» اهـ!
  وهل سيخفى على رسول الله ÷ ما يزكي به أصحابه منذ أن فرضت الفطرة وهو على علم بكل ما يأمر به؟! وكيف تم تنفيذه وقد كانت لهم سنة مطردة، وعادة متلئبّة لا تغيير لها؟! لقد أعظم على رسول الله الفرية واتّهمه في رسالته بعدم البيان الكافي، ولعمري إنها لقلة أدب، ثم يدّعي نقلاً عن ابن المنذر أن هذا قول نفر من الصحابة! وليت شعري هل كان هذا قولاً لهم قبل رأي معاوية أو بعده؟!
  إن كان قبل، فلم عزوها إلى معاوية، وتأخر الخلاف حتى قدم؟! وما علاقتهم بصاع الشام؟! وإن كان بعد قوله فلا تأثير لقولهم، ولهذا إنما نسب إليه وقالوا: (إن معاوية هو الذي قَوَّم ذلك) ثم قال: «وصححه - أي النقل عن الصحابة - الحافظُ» ولم يذكر مَن الحافظ؟ ولا في أيّ كتاب؟!
  وإنما إجمال وإبهام.
  ثم احتج بموقوفين أحدهما عن علي # والآخر عن الحسن، على غير عادته.
  وقال: «إنهما صالحان للتخصيص» اهـ. يعني يخصص بهذين الأثرين أحاديث صريحة صحيحة سنداً ومتناً مات رسول الله وهم عليها، فالأمر واقع من أبي يزيد بلا ريب