الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

عدم وجوب تبييت النية للصوم

صفحة 16 - الجزء 2

  ثم يسأل طعاماً لينتهك حرمة الصوم بلا ضرورة؟!

  وهو قدوة العالمين، وهو من يُروى عنه: «إياكم والشهوة الخفية»، قيل: وما الشهوة الخفية يا رسول الله؟ قال: «يصبح العبد صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيواقعها ويدع صومه⁣(⁣١)».

  فلعمري لقد أعظم على رسول الله الفرية، وبالغ في الصلف والقحة، والتورك على ما لا وجود له، ولا ينبغي أن يوجد من رسول الله ÷.

  نعم: حديث «لا صوم لمن لم يجمع صوماً ...» هو الحديث الذي اعتضده، وعلق عليه شكوته، قد اعترف ببعض ما فيه مجملاً، ثم ادعى أنه يصلح للاستدلال، مع أنه لا صحة لرفعه كما رواه ابن بهران في (تخريج أحاديث البحر) ج ٢، وأنه روي من طريقين إحداهما: عن حفصة وأخراهما: عنها وعن عائشة، وكلاهما موقوف عليهما، وقد بحثنا عن هذا الحديث الذي زعمه الشوكاني فلم نجده في كتاب حديثي معتبر عند الشوكاني خلا مصنف عبدالرزاق ج ٤ فإنه رواه موقوفاً عن حفصة بلفظ (لا صوم لمن لم يزمع الصيام من الليل).

  وإذ قد اتضح بطلان دليله، وقبله بيّنا فساد تأويله، فلم يبق بين يديه ما يأوي إليه، أو يعوّل عليه.

  أما حديث صوم عاشوراء الذي احتج به الفقيه فهو عليه لا له؛ لأن النبي ÷ أمر الناس - من كان منهم صائماً - ما معنى صائم؟ لم يطعم شيئاً، فليتم صومه، ومن كان قد طَعِمَ فليمسكْ، وصوم عاشوراء إنما وجب عليهم من تلك الساعة وهو نصف النهار، فقد أجزأت النية في شطر النهار، ولو كان الصوم مشروطاً بنية مبيّتة من الليل لما أمرهم به؛ لفقدان الشرط الذي يفقد لفقده المشروط، كما أنها لو فقدت النية عند أول الصلاة لم تصح، وقد قال بجوازها نهاراً بعض أصحاب الشافعي ومن السلف علي # وجمع من الصحابة قالوا: في آخر جزء من النهار، حكاه في (البحر) ج ٢.


(١) مسند أحمد، المعجم الكبير، المستدرك، شعب الإيمان للبيهقي، كنز العمال.