الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

عدم وجوب تبييت النية للصوم

صفحة 17 - الجزء 2

  ثم اعلم أن هنا نظرية تستحق الإيماء إليها: أن الصلاة والحج يختلف حكمهما عن حكم الصوم في محل النية، أولاً: مثلاً الحج له شيء يفتتح به ويصير به الشخص بعد الافتتاح في حَرَمه لأن له حَرَماً مصوناً، لا يجوز تخطيه والدخول إلى ما بعده إلا به وهو الإحرام، فيقال لمن أهلّ ولبس غير المخيط: (قد أحرم) أي دخل في حرم الحج وإن كان في دُوَيرة أهله، وكل عمل من الأعمال لا ينال القبول إلا مأتيّاً به بعد انعقاد الصحة، وإلا فسعي غير مقبول، وهكذا الصلاة لها حرم وشيء تُفتتح به وهو تكبيرة الإحرام، فإذا ما دخل الصلاة بهذه التكبيرة قيل: (أحرم) أي دخل في حَرَم الصلاة، فالهمزة في الإحرام فيهما للدخول كالهمزة في (أَنْجَدَ) و (أتْهَمَ)، وعند هذه التكبيرة يتعين عليه نية معيِّنة للفرض، كما وجبت نية الحج، وما هكذا الصوم، فلا حرم له، ولا شيء يُفتتح به؛ لأنه شيء عدمي استوى أوله وأوسطه وآخره، فأشَبَهَ الشيء المفتوح من جميع جهاته، ولهذا أجزأت النية مقارنة ومتقدمة إجماعاً، ومتأخرة عنه لحديث عاشوراء، و (إني صائم) حين لم يجد عند أهله طعاماً، وأما اعتذار الفقيه بما معناه: «لعله كان قد بيّت النية ليلاً» اهـ فلا قبول له؛ لأنه خرص لا دليل عليه، وأيضاً انتقاله إلى الصوم⁣(⁣١) وأنه نافلة، والمتطوع أمير نفسه، مردود بأمرين:

  أولاً: هو انتقال؛ لأن المناظرة في النية لا في كون الصوم فرضاً أو غير فرض، والانتقال دليل الإفلاس من الحجة، ولما قدمنا، ثانياً: أن القربة سواء كانت فريضة أو نافلة، فما كان شرطاً في صحة الفرض فهو شرط في النافلة، ومحل النية في الفرض محلها في النافلة، من حجٍ أو صلاة أو غيرهما.

  وهنا: نظرية أخرى داعمة للأولى وهو أن نقول: جاز تقديم النية على وقت الصوم مع وجود فاصل كبير، فلم لا تصح متأخرة ومتصلة بالواجب؟! وبهذه النظرية الأخيرة قد أرهفتُ لك الحاجزَ المانعَ من إدراك الحقيقة وصار شفافاً، ويمكن أن تستعين على إدراكها بقياس العكس، وهو ما يعطي المقيس نقيض حكم المقيس عليه، فنقول: لما صحت النية في الصوم متقدمة صحت متأخرة إذ لا فرق كالصلاة والحج لما لم تصح فيهما متقدمة لم تصح متأخرة والله الهادي إلى سواء السبيل.


(١) والنزاع هو حول النية تمت شيخنا.