الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب تجديد النية لكل يوم

صفحة 19 - الجزء 2

  وإنما مراد به الجنس، فإذا تعدد مدخولها تعددت النية بمنطوق (ولا عمل إلا بنية)، لأن النية - وإن كانت هي قصداً لما كانت عرضة لأن يشوبها الشرك أو الرياء أو تحاط بالإخلاص فكأنها لما تعددت صفة تعددت ذاتاً.

  وهذا ما اعتبره الشارع وجهله الخولاني، استقل بالزامل عن إدراك حقائق ودقائق الكلام النبوي.

  ثم اعلم أن مجرد القصد لتحصيل الفعل إلى الخارج لا يصح من عاقل اشتراطه؛ لأنه آلة من آلاته التي لا تحصل إلا بها، وسبب من أسبابه المتوقف حصوله عليها، ولو قلت: (امش ولا تمش إلا قاصداً للمشي) و (تكلم ولا تتكلم إلا قاصداً للكلام) لكان خُلْفاً من القول؛ لأن هذه المقدمات للفعل الذي تصورته متقدمةٌ على إيجاده، وهي علل آلية يتوقف حصوله عليها كما يتوقف في المحسوسات على الآلة التي تمكّن منه، والمقصودُ منها ومن إعمالِها هي العلة الغائية التي تصورتها وقصدت تحصيلها ورسمتها في ذهنك، فهي سابقة في التصور، متأخرة في الوجود، والآلية سابقة في الوجود.

  إذا تقرر هذا فاعلم أن النية (قصد مخصوص) وهذا ما فهمه أرباب التحقيق، ورعاة التدقيق، وحكموا بوجوبها ومقارنتها للعمل وتتوقف شرعية العمل وصحته عليها.

  ولو كان مجرد القصد كافياً لما كان فرق في كلمة الكفر التي صدرت عن عمار | وهو مكره، وكلمة ابن أُبيّ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}⁣[المنافقون: ٨] لأن كلاً منهما قد قصد مقوله، وما غيّرته وأبطلت مفعول الأولى⁣(⁣١)، ورسمت الثانية على حقيقتها إلا الأمر الزائد على القصد فافهم هذا، ولا تسمع لنقيق عديم التحقيق.


(١) كلمة عمار |.