الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(يتكتم من انفرد برؤية الهلال)

صفحة 20 - الجزء 2

(يتكتم من انفرد برؤية الهلال)

  قال الشوكاني: «قوله: يدل على أنه إذا رآه أحد من الناس وجب عليه أن يصوم وهو إجماع الأمة ... إلخ، أقول: هذه الحكاية للإجماع هي من جملة الحكايات التي قدمنا لك تحقيقها في أول هذا الكتاب، فإنه قد خالف في ذلك الحسن البصري وعطاء وأبو ثور وإسحاق بن راهويه فقال: (لا يصوم إلا مع الناس) ورجح هذا بعض المتأخرين كالجلال في (ضوء النهار)، والعجب من المصنف كيف يقدم على حكاية الإجماع وفي المسألة هذا الخلاف وهو محكي في كتب المذهب دع عنك غيرها» اهـ كلامه.

  أقول: كتب المذهب التي ينصرف الذهن إليها عند الإطلاق هي (الأزهار) وشروحه و (البحر) ... إلخ، ولفظ (شرح الأزهار) ج ٢ ص ٦: وليتكتم من انفرد بالرؤية: أي إذا رأى الهلال شخص ولم يره غيره فإنه يصوم ويفطر، ويكتم صومه وإفطاره؛ لئلا يتظاهر بمخالفة الناس، فأما الرؤية فلا يكتمها بل يحدّث بها لجواز أن يشهد بذلك معه غيره. اهـ المراد.

  ولفظ (البحر): ومن انفرد بالرؤية صام وأفطر حتماً؛ لقوله ÷: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ..» الخبر. اهـ المراد.

  وهكذا ينقل الشوكاني عن كتب موجودة بين أيدينا وينسب إليها ما ليس فيها فهذه هي كتب المذهب التي قال: «دع عنك غيرها» اهـ، لم يذكر فيها خلافاً لرجل ولا لامرأة، وهكذا يتجرّأ في نقله كما نقل عن ابن خزيمة كلمة (وصححه) في حديث الضم على الصدر، ولا وجود لها في (صحيحه)!

  أما نقل الأئمة الأطهار فمعاذ الله أن يَعْلَق بها شائبة تشينها لا افتراءٌ ولا تحريفٌ، وهذا هو المعروف عنهم عند محبيهم وعند باغضيهم، وقد مضت عليها قرون لم يُثْلَم لهم نقل، لا بعدم وجوده، ولا بغلط في نقله، ولا زيادة ولا نقص، فهي عمدة لكل ناقل.

  فلا تسمعْ لكلام مخرّبي المذهب، ومشوّعي وجهه الحَسَن، ونوره الأتم، والله المستعان.