الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

سقوط الكفارة عمن أفطر عامدا أو ناسيا

صفحة 29 - الجزء 2

  فقيل: مرتّبة كترتيب كفارة الظهار؛ لأنها محمولة عليها، ولحديث «هل تجدُ رقبة؟ هل تستطيع إطعام ستين مسكيناً ...» الحديث.

  وذهب آخرون إلى عدم وجوب الترتيب، وأنها تجزي ولو غير مرتّبة؛ لما في (الصحيحين) بلفظ: «فأمره أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكيناً ... إلخ» و (أو) تقتضي التخيير إجماعاً بين النحاة، وفي (ألفية ابن مالك)

  خيِّرْ أَبِحْ قسِّمْ بأو وأبْهِمِ ... البيتَ

  ومعنى التخيير تعلق الطلب بواحد من متعدد غير معيَّن، يجزئ أي واحدٍ فَعَله المكلف، بخلاف ما يقتضي الترتيب، فلا يجزئ التالي إلا بعد عجزه عن الأول، فعجزه عن الأول قَيْدٌ في صحة الثاني، ومن هنا يتبين أن التخيير يعارض وينافي لزوم الترتيب معارضة ظاهرة، ومنافاة سافرة، ولو ذهبت تقول: (إن آية كفارة الظهار لا تنافي آية كفارة اليمين في لزوم الترتيب من عدمه) لرُدَّ قولُك بنص كتاب الله وبلسان العرب وإجماع العلماء، وحتى في الحقيقة العرفية العامة لو قلت لطالبٍ زيارَتَك: (هَلُمَّ الخميسَ أو الجمعة) وقلتَ لآخر: (هَلُمَّ الخميسَ ثم الجمعة) لعلم الكل أن بينهما فَرْقاً وتعارضاً واضحاً، وبين المعنيين شوطاً بطيناً.

  والشوكاني يجادل بجهالة نابية عن اللسان، منبوذة عند كل إنسان، فيقول: «لا تعارض بين الصيغتين المخيّر وغيرها» اهـ.

  ولا حاجة لمزيد الكلام فيها؛ لوضوحها، فقد عَثَر ولا لَعَا⁣(⁣١).

  وقوله في غُرّة تعليقه: «إن قول من قال بوجوب زيادة على ما يسمى صدقة قد تضمن إيجاب القليل وهو ما يسمى صدقة وزيادة، فلا يستلزم قوله بوجوب كفارة معيّنة أنهم لا يقولون بعدم وجوب ما هو أقل منها» اهـ كلامه.


(١) لا لَعَا: لا سَلِمَ تمت شيخنا.