الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

عودا إلى الحافرة

صفحة 30 - الجزء 2

  أقول: لعمري إنه لكما قال العلّامة في (أساس البلاغة): (ساء سمعاً فساء جَابَةً) والفقيه ساء فهْماً فساء انتقاداً، النزاع ليس في وجوب القليل فالكل مجمع على وجوبها، وإنما النزاع في الإجْزَاء، فمن قال: (يجزئ ما يصدق عليه أنه صدقة) جعل القليل كافياً، ومن ذهب إلى أنها كفارة معيّنة بكيل معلوم يقول بوجوب القليل ضمن الكثير، لكن لا يقول: (إنه يجزئ القليل).

  فقد جهل الفقيه مورد النزاع، وفرّع بما لا يقتضي الإقناع، ولا غرو فقد يكون الاعتراض أحياناً مَنْشَأهُ عدمُ فَهْم كلام المعترَضِ عليه.

  وخلاصة القول: أن وجوب القليل أمر مشترك، ولا إجماع على إجزائه، وإجزاء الزائد على القليل أمر مشترك، ولا إجماع على وجوبه، فبينهما العموم الوجهي، فالقليل أعم؛ لاتفاق الجميع على وجوبه، والكثير أعم حيث اتفق الجميع على إجزائه.

  وبإمكانك أن تستعين مما أمليت لك وتستخرج الخصوص الوجهي.

عوداً إلى الحافرة⁣(⁣١)

  أما عند الشافعي | وبعض علماء السلف فلا كفارة على من أفطر في نهار رمضان بغير الجماع؛ لأن انتهاك الحرمة في نهار رمضان بالجماع أشد منها بغيره، والمسألة مبسوطة في كتب الفقه، ولا يعيب قائل قائلاً ولا إمام إماماً، أما قاضينا فقد ملأ كتابه هذا بالحملات الحاقدة، والتهكمات، وعبارات الطنز والسخرية، وانتقاص علماء أهل البيت، ونفي إجماعهم، وجَحْد حجيته، وادعاء قلة محصولهم في الأصول، وكان لزاماً عليهم أن يأخذوا علم الحديث - كما يزعم -، ولقد قعد بكل جهده - كما يراه كل مطلع - لهَدْم بنيانهم، وكَنْس أقوالهم، ولعمر الله إني بالأمس وأنا أطالع في كتاب (أعذب الموارد) فاطلعت على حديث وهو في الجزء الأول، وأحاله على (المعجم الكبير) للطبراني من رواية


(١) الحافرة: أول الأمر تمت شيخنا.