الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

المضمضة والاستنشاق

صفحة 61 - الجزء 1

  أقول: أولاً قال: «إن العرب تطلق على من غسل وجهه بالماء أنه قد غسل وجهه». اهـ، وهذا إلباس لأنه غسل وجهه وأطلقوا عليه أنه غسل وجهه⁣(⁣١).

  وأيَّ وجه غَسَلَ وفيه خلاف؟ وأيَّ وجه أُطلق عليه (غسَل وجهه) وأنت تزعم أن فيه خلافاً لغة وشرعاً؟!.

  وادعى أن في مسمى الوجه خلافاً بين أهل اللغة، وهي دعوى لا دليل عليها وقواميس اللغة موجودة بين أيدينا ونصُّهم على أن الوجه ما واجَهَ خُذِ (القاموس) و (اللسان) وغيرهما.

  ثم قال: «وكذلك خلاف فيه بين علماء الشريعة» اهـ كلامه.

  أقول: كيف يسوغ خلافهم والمورد للجميع هو اللغة ومن خرج عنها فلا سماع لقوله؛ إذ لا حجة له {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}⁣(⁣٢).

  وادعى الشوكاني أولاً: أن في الآية احتمالاً.

  وأخيراً ادعى الإجمال، مع أن بين الاحتمال والإجمال شوطاً بطيناً وفرقاً واسعاً.

  نعم الذي تطمئن إليه النفس ويثلج له الصدر في هذا المقام أن المضمضة والاستنشاق واجبان في غسل أو وضوء، وأن الوجوب هو من قوله ÷ وتِبْيَانِه الفِعْلي في جميع أفعاله، كما هو موجود في دواوين السنة من كتب أهل البيت $ وغيرهم، وأنه لا يتم الغسل والوضوء إلاَّ بهما.

  ولو كانا داخلين في مسمى الوجه لما احتاج النبي ÷ إلى الأمر بغسلهما؛ لأن نص الآية وما عُلِم من اللغة يكفيهم، ولو ذهبتَ تبحث في كتب اللغة عما في باطن الفم لما وجدتها داخلة في مسمى الوجه وإنما كل واحدة في مادتها: (الجَنَس⁣(⁣٣) والعَمْر واللثة واللسان


(١) يفسر الشيء بنفسه!

(٢) سورة إبراهيم آية ٤.

(٣) الجَنَس والعمر: مغرز الأسنان.