وجوب الكفارة على من لم يطق الصوم
  أقول: لا يخفاك أن المسألة ظنية، سواء في كفارة من لم يقض الصوم حتى أظله رمضان آخر، أو فيمن تركه لعجز الشيخوخة أو لغيرها، وفي كفارة الحامل والمرضع والشيخ الفاني والفانية، وأقوال العلماء في كل هذا مبثوثة في كتبهم، وفيما كتب غيرهم عنهم نُقِلَتْ أقوالهم بلسان سليمة، وطبع رَيِّض ÷، يأتي بقوله أو بقول إمامه، وبقول مُخَالفه، مجردةً عن دعوى العصمة، وأن الحق في كل مسألة معه، ولا تضليل ولا تجهيل، هذا أسلوبهم، أما أسلوب الفقيه فكما ترى يحط من كل قول يخالفه، ولو لعلي # أو لحبر الأمة أو لإجماع الصحابة، وينصر قولاً مبتورًا لا يأوي إلى دليل.
  على أن القاعدة مشهورة: (كل مجتهد في الفروعيات مصيب)، والخطأ أمر مشاع، والمسائل الظنية مسار اجتهاد لا محط تثريب وانتقاد، ولا تقع هذه العبارات اللاذعة، والتجهيل إلا إذا كان المخالف من آل بيت رسول الله ÷، وإذا كان الخلاف لغيره فهو معه كما عهدناه من سواه قولًا كريمًا مجردًا عن الإيذاء، وإذا كان الخلاف لآل بيت النبوة يفقد أعصابه، ويشذ أسلوبه عن أسلوب المنصفين، ونهج العارفين، ويتعمد مخالفتهم ونصرة القول المخالف بكل جهده، ولو كان مع آل بيت النبوة جماعة من الصحابة أو إجماعهم أو الإجماع العام؛ فإنه يخلع قناع الإنصاف ويتعرى، ويبدو ما في باطنه لهم ويتفرى، وفي هذا البحث لم يسلم من غمطه ابن عم رسول الله ÷، حبر الأمة المدعو له بأن يعلمه الله التأويل، ويفقهه في الدين، ولا شك أن دعوة المصطفى ÷ مستجابة، وقد تلقى علماء الأمة قوله بالقبول من محدثين وغيرهم، وأبى قبولها الفقيهُ، ليته رفضها وردَّها بأدب واحترام لمقام رسول الله ÷ ودعوته ولمقام الصحبة التي غالى فيها وجعل أصحابها خير القرون(١)، ويا ليته جاء بدليل أقوى، لكنه ليس أمامه وبين يديه إلا غثاء أحوى، ومن أرذل ما جرى به قلمه بعد امتهانه لقول ابن عباس - قولُه: «إن الله ما تعبَّد أحدًا بقول أحد» اهـ. ردًّا منه لقول ابن عباس ومن معه من الصحابة، وكأنهم قالوه من ذات أنفسهم، واتفقوا على باطل لم يأذن به الله ولا رسوله، مخالف لكتاب الله وسنة نبيه! وفي
(١) لم يصح حديث «خير القرون» عند أهل بيت النبوة وغيرهم من علماء الأمة؛ لأنه من وضع رئيس الفئة الباغية وبني أمية؛ لكي يوصفوا بأنهم خير القرون، مع أنهم عن ذلك الوصف ناؤون، فليس الزمان الذي قتل فيه آل بيت رسول الله ÷ في كربلاء وغيرها - خير القرون، وليس الزمن الذي قُتل فيه أجلة أصحاب رسول الله بالمئات في وقعة صفين، والحرة، وغيرهم - خير القرون، وقد ناقش شيخنا هذا الحديث وضعفه في أول الكتاب.