الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب الكفارة على من لم يطق الصوم

صفحة 51 - الجزء 2

  فيطعمان عن كل يوم مسكينا. رواه البخاري⁣(⁣١).

  وهو مروي عن علي #، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهما من الصحابة، ولم يرو عن أحد منهم خلاف ذلك، فكان إجماعًا، وأيضًا لو كان لكان قول ابن عباس ¥: (ليست بمنسوخة) مقدَّمًا؛ لأنه مما لا يقال بالرأي، بل عن سماع؛ لأنه مخالف لكتاب الله؛ لأنه مُثْبت في نظم كتاب الله، فجعله منفيًّا بتقدير حرف النفي، لا يُقْدَم عليه إلا بسماع ألبتة، وكثيرا ما يُضْمَرُ حرفُ النفي في اللغة العربية في التنزيل الكريم: {تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي «لا تفتأ»، و {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا}، أي «ألا تضلوا»، و {رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ}، أي «ألا تميد».

  وقال الشاعر، وهو امرؤ القيس:

  فقلت يمين الله أبرح قاعدًا ... ولو قَطَّعوا لحمي لديك وأوصالي

  أي: «لا أبرحُ». وقال آخر:

  تنفكُّ تسمعُ ها ... لِكًا حتى تكونَهْ

  أي: (لا تنفك).

  ورواية الأفقه أولى؛ لأن قوله تعالى: {وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} في نسخ إجازة الافتداء الذي هو ظاهر اللفظ. اهـ المراد.

  نعم: هذا رأي علماء التحقيق في ابن عباس، وفي روايته وفي أمثاله، وروايتهم، لا نبذاً بِسُخْفٍ، وردًّا بجهل، وأمامَ مَنْ؟!

  رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.

  ومن جهلت نفسه قدره ... رأى غيره منه ما لا يرى

  وفي هذا البحث الذي أمليت عليك من أقوال العلماء رحمهم الله دَعْمٌ لقول الإمام # في وجوب الفدية، ودعم له في قوله: (إن في الآية مجاز الحذف). وفي نقله إجماع الصحابة؛ فلا تسمع نقيق مسلوب التوفيق.


(١) قراءة ابن عباس التي رواها البخاري «يَطَّيَّقونه» أي يتكلفونه ويشق عليهم. تمت شيخنا.