وجوب القضاء على المجنون جنونا طارئا ثم زال
  النبوي، والإجماع الإسلامي كما هي عادته. وإن قال: (رفْعُه حين جنونه)، قلنا: لم يُرْفَعْ إلا وجوبُ الأداء.
  ثم إن الشوكاني لم يفرق بين جنون عارض، وأصلي في الحكم! فالجنون الأصلي أن يعتريه الجنون من قبل خطاب الوضع الموجب للتكليف، فهذا حكمه حكم الصبي: لا وجوب عليه ولا قضاء، وأما العارض فهو الذي عرض بعد خطاب الوضع، وتعلُّق الحقِّ بذمة كل مكلف تام الأهلية حال التكليف، فالجنون الأصلي مانع من استقرار الحق في الذمة، والعارضُ لا يُسْقِطُ ما قد ثبت، وإنما يُسْقِطُ وجوب الأداء.
  وإليك بعض نصوص أولي العلم؛ لترى أن الشوكاني يجعل أصابعه في أذنيه، ويتمسك بالإنكار! ويقول: أين الدليل؟!
  أولا: من (البحر الزخار) ج ٢ ص ٢٢٩ ولفظه: مسألة: والمجنون الأصلي كالصغير؛ فلا يقضي. المذهب، والثوري، والمزني، وابن شريح: يقضي ما فات بالجنون؛ إذ هو كالمرض.
  الشافعي: لا؛ إذ لا تكليف عند الوجوب. قلنا: هو بالمرض أشبه.
  أبو حنيفة: إن جن بعض الشهر قضى لا كله. اهـ المراد.
  وانظر إلى تعليل الإمام الشافعي حيث قال: لا؛ إذ لا تكليف عند الوجوب، أي أنه لأصالة جنونه لم يتعلق الوجوب بذمته فلا قضاء عليه.
  وأنت إذا تصفحت أقوال أولي العلم لم تجد قائلًا يقول بعدم وجوب القضاء على من حلَّ عليه الشهر، وهو صحيح ثم عرض له المانع بل يجب بعد زوال المانع ما ثبت في الذمة؛ لأنه تناوله الخطاب وهو تام الأهلية {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وتكلف به واستقر في ذمته، ولم يقل بهذا القول إلا المولَع بمخالفة الإجماع والنصوص، والله سبحانه أعلم.