الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(جواز الإفطار لمن كان متطوعا لا قاضيا)

صفحة 54 - الجزء 2

(جواز الإفطار لمن كان متطوعاً لا قاضياً)

  أورد الإمام أثرًا عن عائشة أنها قالت: أهديت لنا حشيشة، وأصبح رسول الله ÷ ذلك اليوم صائمًا، قالت: فقلت: يا رسول الله لولا أنك أصبحت صائمًا لقربت لك حشيشة أهديت إلينا، فقال رسول الله ÷: «قربيها؛ فإنه ليس علي جناح ما لم يكن نذرًا أو قضاء رمضان» اهـ كلام الإمام.

  قال الشوكاني: «قوله: ما لم يكن نذرًا أو قضاء رمضان. أقول: هذه الزيادة لا أدري من رواها؟ وما ذكره صاحب التخريج أنها إحدى الروايات، إن أراد بهذا اللفظ فغير صحيح، وقد ثبت في الحديث الآخر أنه قال: «وإن كان قضاء فاقضي يومًا مكانه» ولم يستفصل ÷ عن كون الصوم عن تطوع أو قضاء؛ فالظاهر أنه يسوغ الإفطار للقاضي كما يسوغ للمتطوع، وما يقال من أنه ÷ قال لها ذلك بعد أن أفطرت، وعلم أن صومها كان قضاء، ولو علم من قبل إفطارها لم يسوغ ذلك لها؟ فيجاب عنه بأنه لو كان إفطار القاضي غير سائغ لبينه ÷ في تلك الحالة، وقال: (ما كان يسوغ لك الإفطار)، ولكنه قررها على ذلك، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز» اهـ كلامه.

  أقول: اعلم أنه مما لا ريب في صحته ولا نزاع في شرعيته أن الأصل هو عدم إباحة الخروج من العبادة بدون إكمالها بغير عذر؛ لأن فيه نوعَ استهزاء وعدمَ احترام لشعائر الدين، ومعارضة سافرة لقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}، وإبطالها هو الخروج عنها قبل كمالها، وقبل حصول المكلف على أجرها، وقد ادعى الشوكاني أن النبي ÷ أقر التي أفطرت عنده على فطرها، وهذا شيء لا دليل عليه؛ لأنها لم تخبره إلا بعد أن أفطرت، ثم لم يعلم هل كان تطوعًا أو فرضا؟ لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وقوله: «لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة» اهـ؛ فالشريعة تأتي شيئا فشيئا بحسب الحاجة، وبحسب المناسبة، لا أنه يصبها عليهم صبًّا، ويفرغها عليهم إفراغًا، وهذا المقام هو مقام بيانها؛ فلا وجه لاتهام