الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

استحباب صوم يوم الغدير

صفحة 74 - الجزء 2

  ومن البلية أنَّ شكريَ صامتٌ ... عما صنعتَ وأن بِرَّكَ ناطقُ

  أأرى الصنيعةَ منك ثم أُسِرُّها⁣(⁣١) ... إني إذًا ليد الكريم لسارقُ

  ثم إنه لا سبيل بين التمييز بين نفس كريمة ولئيمة إلا بالمواقف التي تميز الخبيث من الطيب، والله سبحانه وتعالى يحب أن يُشْكَرَ ويكره أن يُكْفَرَ؛ قال سبحانه: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}⁣[الزُّمَر: ٧]، {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}⁣[النمل: ٤٠]، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}⁣[إبراهيم: ٧]، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}، وأثنى سبحانه على عبده نوح بقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}⁣[الإسراء: ٣]. كما أثنى على خليله إبراهيم بقوله: {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ}⁣[النحل: ١٢١]. وقال موسى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِين}⁣[القصص: ١٧]، وسجد داود لله شكرًا.

  والناس - كماقلت لك - بين كريم أسير طبع كريم، ولئيم أسير طبع لئيم، وقد صوَّرهما من قال [المتنبي]:

  إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

  وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا

  وقيَّدْتُ نفسي في ذراك محبة ... ومن وجد الإحسان قيدًا تقيدا

  زهير:

  ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يكن حمدُه ذمًّا عليه ويندم

  وقد يتناهى في الرجل لؤم الطبع حتى لا يقتصر على عدم المكافأة، بل يحمل على التثبيط عنها ويُرَغِّب عنها، ويقول: لا داعي لها، ولا حاجة إليها نهياً منه عن رج الجمل، وشكر المنعم، فينهى عن الصوم شكراً لله على نعمته، ويقرب منه {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ١٠}⁣[العلق]. والصوم إنما هو لله على نعمة عظمى، ومِنَّة كبرى.


(١) أخفيها ولا أشكر صاحبها تمت شيخنا.