الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

لا اعتكاف إلا بصيام

صفحة 89 - الجزء 2

  كذلك الاعتكاف (عكفَ على الشيء: أقام) {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِين}، {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ}، {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا}، (تظل الطير عاكفة عليهم) ... إلخ.

  وبعد نقله إلى حقيقة شرعية صار مجملًا، وأصبحت الحقيقة اللغوية ملغاة، فصار اعتكاف النبي ÷ وكونه في مسجد، وبالصوم، تبيانًا للاعتكاف الشرعي، وصار الاعتكاف يطلق على الجميع مطابقة، ويدل على الصوم أو على المسجد تضمنًا.

  ثم إن اللبث في مكانٍ مّا ليسَ بقربة، مالم يقترن بقربة؛ فبقاء الرجل مثلا في مكان لا أجر فيه، ولا يصح نذره، وإن كان قصد أنه مرابط، وهو مرابط في سبيل الله صار قربة، وصح نذره، والعكس: لو كان وَقَفَ لحرب المسلمين أو إعانة الكافرين كان معصية؛ فالوقوف نفسه ليس بقربة ولا معصية، إنما هو بحسب ما يقترن به.

  ووقوفه في المسجد مجردًا عن القربة (التي هي الصوم) ليس بقُرْبة، وحينما يقترن بالصوم أصبح قربة، ويصح نذره؛ والدليل على اعتباره - وإن لم يشترط - عدمُ اعتبار الصلاة بالإجماع في مفهوم الاعتكاف، وجعله الحنفية من قياس العكس، وهو ما ينتج منه عكس الحكم لعكس العلة، فقالوا: (لما كان الصوم شرطًا في الاعتكاف لزم، وإن لم يذكر: كالصلاة لما لم تكن شرطًا لم تلزم وإن ذُكِرَتْ).