لا اعتكاف إلا بصيام
  الوضوء - وقد انتهى المشروط - الصلاة -. وعندما ينقضي المشروط - الصلاة - سُلِبَ الشرطُ شرطيته: كالسبب لا يبقى سببًا إلا ما دمت لم تصلّ، فإذا صليت لم يكن سببًا لك، ويبقى سببًا لمن لم يصل، فاعلم أن وجوب الواجب شرط في شرطية الشرط وسببية السبب.
  نظرية: ثم لا يخفاك أن الكلام إذا خُرِّج مَخْرج المبالغة لا ينظر إلى ظاهر لفظه، وما قوله ÷: «من اعتكف فواق ناقة ...» إلا لقصد الترغيب، كقوله: «من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة»، والقطاة هي الحمامة، ومفحصها: ما فحصته في الأرض بيتًا لها ومجثمًا ومباضًا، ولا يتأتى في مسجد كهذا، ومنه: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، {مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ}؛ إذ لا يوجد ملء الأرض ذهبًا. والشوكاني يغفل عن هذه المدارك فيرسلها على علاتها بلا تنقيح ولا تهذيب.
  فالمراد والغرض النبوي من «فواق ناقة»، و «مفحص قطاة» الحث على الاعتكاف وعمارة المسجد مع صَرْف النظر عن زمن الاعتكاف وحجم المسجد.
  ومن جهة النظر أيضاً: لا يخفاك أن الشرع نقل حقائق لغوية فأصبحت حقائق شرعية تُفْهَمُ وتعلم عند الإطلاق، وأصبحت الحقائق اللغوية مجازًا؛ فالصوم - مثلا - كان حقيقة في مطلق الإمساك حتى قال شاعرهم:
  خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
  وعن الكلام: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}. ثم نقله الشرع إلى مسمى آخر وهو (إمساك عما حرم الله من طلوع الفجر إلى الليل)، والصلاة كانت لغة الدعاء: (عليك مثل الذي صليتِ) أي دعوت، {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ}، ومنه الصلاة على محمد وآله؛ فهي دعاء لهم، ثم نقلت إلى ذات أركان وأذكار، فإذا أطلقت لا تتبادر إلا هي، وتدل عليها دلالة مطابقة دلالة وضعية شرعية.