المحرم شرط أداء
  يأباه كل عالم تقي مريد للحق صادر قوله عن علم ودليل، لا يجوز أن يتحول عنه، وإن جهل عن جهل فعلى الإسلام السلام، وتراه في مقامه يتخبط تخبط الأعشى، يقول في غرة بحثه: «إنه شرط صحة» اهـ! وفي أثناء بحثه يقرنه بالزاد والراحلة، وقد سبق أنهما شرطا وجوب، وأقر بذلك؛ لما ثبت عن النبي ÷، فما هو هذا الهوس؟! أليس عنده فرق بين شرط الصحة وشرط الوجوب؟! ثم إنه لا يمكن أن نساوي بين شرط الراحلة والزاد، وشرطية المحرم عند كل من يفهم؛ لأن الزاد والراحلة شرطان يتوقف عليهما القدرة على إيجاب الواجب إلى الوجود، والمحرم يتوقف عليه تنفيذ ما علق بالذمة وصار واجبًا بالنص الإلهي: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن لها أن تحج إذا عدم المحرم، وتَضَيَّق وقت حجها وكانت مع نساء، ولا إثم عليها عند الإمامين: مالك، والشافعي في حج الفريضة لا النفل، ثم لا يخفاك أن الحج ركن من أركان الإسلام، وقد حصلت على الزاد والراحلة، وقد ختمت آية الحج بقوله سبحانه: {وَمَن كَفَرَ ...}.
  ثم إن النهي عن السفر عام يُخَصُّ بسفر الحج، وقد أجمع العلماء على جواز سفر مَنْ أسلمت في دار الحرب أن تسافر بغير محرم إلى دار الإسلام للضرورة.
  والفرق بين شرطية الزاد والراحلة، وشرطية المحرم: أن الأولين شرطان لرفع الحرج عن المكلف، وعدم تكليفه إلا ما في طاقته، فكانا - أي الزاد والراحلة - شرطين للوجوب؛ رفعًا للحرج، وشرطية المَحْرَمِ للصيانة؛ فإذا أَمِنَتْ على نفسها بين نساء فلم يبق لزوم للمحرم.
  فإن قلت: قد ورد في الحديث: «لا يحل لامرأة أن تحج إلا بمحرم»؟ قلنا: هذا يؤيد ما ذهب إليه من يقول: (إن المحرم شرط أداء)؛ لأنه قد سمى عملها حجًا؛ فقد صح حجها بأداء المناسك وأثمت، كقوله ÷: «لا يبع حاضر لباد»، فقد نفذ البيع؛ لتسميته بيعا، وحصل الإثم.
  وكقولهم: (نهى عن ثمن الكلب)؛ فقد صح البيع بتسمية المأخوذ ثمنا.