(هل الحج على الفور أو التراخي؟)
  الحكم عليها، وقد ورد عن بعض المحققين أنه لا تراخي منه ÷؛ لأن آية البقرة: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ}، و {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} وهي أول ما نزل بالمدينة المباركة لم يكن فيها فريضة الحج، وإنما فرض الحج في سنة المباهلة، وهي السنة التي حج فيها.
  ولنناقش أولا: ما يقتضه (الأمر):
  اعلم أن الأمر والنهي كلاهما طلب؛ فالأمر طلب إيجاد، والنهي طلب كف، وإذا كان الأمر موضوعا لغة للطلب فيشترك فيه الوجوب والندب. وعند بعضهم: هو حقيقة في الوجوب مجاز في غيره، أما الدلالة على التكرار فلأوجه له: لأن (اضْرِبْ) - مثلا - معناها: أطلب منك ضَرْبًا، و (ضرب) نكرة في سياق الإثبات لا تعدد لها؛ فدلالته على المرة دلالة وضعية؛ إذ لا يتصور الامتثال إلا بها، إلا أن بعضهم قال: إن أوامر الشرع على الدوام والاستمرار. فمعنى {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أقمها كلما دلكت الشمس، {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}: تطهروا كلما أجنبتم، ولو قال قائل: (هند طالق إن دخلت الدار) لم تطلق إلا لدخلة واحدة.
  أما النهي فمعناه: طلب الكف عن المنهي عنه مطلقا مستغرقا لجميع الزمن.
  وأما مناقشة فريضة الحج فإليك ما يلي: في حاشية (نصب الراية) ج ٣ ص ٥ ما لفظه: في الصحيح باب وجوب الحج وفضله {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال العيني في (العمدة) ص ٤٧٧ ج ٤: أشار بذكر الآية الكريمة إلى أن وجوب الحج قد ثبت بهذه الآية عند الجمهور، وقيل: ثبت وجوبه بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}، والأول أظهر، وقال ابن القيم في (الهدي) ص ١٧٥ ج ١: ولما نزل فرض الحج بادر رسول الله ÷ إلى الحج من غير تأخير، فإنَّ فَرْضَ الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر. وأما قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية فليس فيها فريضة الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه، وإتمام العمرة بعد الشروع فيها، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء، فإن قيل: من أين لكم تأخر نزول فرضه إلى التاسعة؟ قيل: لأن صدر سورة