الإجمال في كلمة الحج
  ثم إن الموقف البياني المحمدي نبَّه على ذلك بقوله: «خذوا عني مناسككم» يعني: خذوا بيان المجمل في الواجب الذي أمرتم به حتى لا يبقى لأحد على الله ولا على رسوله حجة {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}[الأنعام: ١٤٩].
  ثم اعلم أن في قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩٧] إجمالًا ظاهرًا؛ إذ دخل في البيان - غير ما ذكرناه آنفًا - أمور: وهو الميقات الزماني والمكاني، وكيفية الإحرام، والنية لما يريده، والإحرام له، وسوق الهدي على القارن .... إلخ.
  ولا يفهم من الآية تقسيم الحج إلى: إفراد، وقران، وتمتع؛ لأن الكل ينتظمه كلمة (الحج الشرعي)؛ فهذا هو الحق دون ما رقمه الشوكاني والجلال.
  ومعروف عن الشوكاني موقفه من الجلال إذا خالف رأيه، كيف يُجهِّله ويخطِّئه، وهو في الحقيقة لا يحبه؛ لأنه باغض للعرق بأصله، وإنما كاستخدام الوهابيين لبعض إخواننا اليمنيين لطمس المذهب الشريف، ويستجيبون لهم؛ طَمَعًا في المادة، ولم يعلموا أنه لم يأت لهم من الوَرِق إلا ذُلٌّ ورِقٌّ.
  ثم قال: «وأما كونه لا يصح الحج إلا بفعل جميع المناسك فلا دليل على ذلك؛ لأن الذي يؤثّر عدمُه في العَدَم هو الشرط لا الواجب، وليس في أدلة مناسك الحج ما يفيد تأثير عدمه في عدم الحج إلا الوقوف بعرفة كما تقدم تحقيقه ... إلخ» اهـ كلامه.
  أقول: كلامه هذا عَمَى مضاف إلى عمى. فقولوا له: وهل الشرط إلا واجب؛ فالوضوء واجب، وهو شرط في صحة الصلاة، وها هو قريب ما نقلنا من (الجرَّار) من أن طواف الزيارة واجب، وركن، وأقر بما نقله النووي من الإجماع على وجوبه، وتأثيره في صحة الحج.
  ومن هنا تعرف تهافت قوله: «وليس في أدلة مناسك الحج ما يفيد تأثير عدمه في عدم الحج إلا الوقوف ... إلخ» اهـ؛ إذ الإحرام كالوقوف يؤثر عدمه - أي الإحرام - في عدم