وجوب مسح جميع الرأس
  الشيء على نفسه.
  ثم قال الشوكاني: «وعندي في معنى الآية وجه آخر وهو أن الشيء إذا وقع مفعولاً به لفعل مذكور أو ظرفاً لمظروف مذكور لم يكن المراد إيقاع الفعل على جميع المفعول به». اهـ كلامه.
  أقول: سبحان الله! ما هذا الاكتشاف النفيس! ليت شعري كيف خفي هذا على أهل اللسان واللغوي والنحوي والأصولي!، ليته تقدم بكَ الزمانُ لتمنحهم هذه الفائدة! نعم/ اعلم أن المفعول به عند النحاة غير المفعول عند أهل اللسان، وخذها فائدة جديدة، فالنحاة يقولون في نحو (ما ضربتُ زيداً): إن (زيداً) مفعول، وفي نحو (هل ضربت زيداً): إن (زيدا) مفعول، مع أنه لم يقع عليه فعْلٌ، وإنما لصحة الإسناد فقط، وهو عقلاً ولغة ليس بمفعول؛ لعدم الوقوع فافهم هذا جيداً.
  فالنحوي لا يشترط وقوعه كُلاً ولا بعضاً، واتفق المعربون على أن (صَاحِبَةً) في قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً}(١) مفعول مع أنها لم توجد ولم تُفْعَل ... إلخ، هذا فيما يتعلق بالمفعول، وفي الظرف مَثَّلَ الشوكاني للظرف بقوله: «اسكُن في الدار» ثم قال بعد أسطر: «وكذلك يقال لمن سكن في منزل من منازل الدار: إنه ساكن في الدار» اهـ ..
  وهو هنا قد غلط غلطاً فاحشاً متفقاً عليه عند جمهور النحاة:
  أولاً: مثل الشوكاني للظرف المكاني بالدار والمنزل، ولا يصح جعله ظرفاً اصطلاحياً؛ لأن الظرف الاصطلاحي هو المكان المبهم لا المحدود، والدار والمنزل محدود، فإذا قلتَ: (دَخَلْتُ الدارَ) أو (سكنتُ الدارَ)، فهو مفعول(٢) لا ظرف اصطلاحي، لأن (دَخَلَ) كانت أصلاً بحرف الجر؛ حملاً لها على (خرج) إذ لا تستعمل إلاَّ مجرورةً (خرجتُ من الدارِ) ولأن الظرف المحدود لا يطرد، فلا تقول: (رَقَدْتُ الدارَ) وتقول: (رقدتُ الليلةَ)، ولا
(١) سورة الجن الآية ٣.
(٢) مفعول به بنزع الخافض.