الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

لا يرمي الحاج بحصيات قد رمى بها

صفحة 152 - الجزء 2

  يُجْزِه. وقال الشافعي: يجزيه؛ لأنه حصى فيدخل في العموم. لنا: أن النبي ÷ أخذ من غير المرمى، وقال: «خذوا عني مناسككم»؛ ولأنه لو جاز الرمي بما رُمِي به لما احتاج أحد إلى أخذ الحصى من غير مكانه، ولا تكسيره، والإجماع على خلافه؛ ولأن ابن عباس قال: (ما يُقْبَلُ منها يُرْفَعُ). اهـ المراد.

  أما القياس الذي عارض به الفقيه فيشبه القياس الحماري⁣(⁣١) الذي ذكرناه في كتابنا (ترياق ذوي الأبصار) قياس مضحك؛ لأن الماء الذي استعملناه قد استهلكنا عين الماء في عين المنفعة. ولهذا يقال فيه: هو ما لاصق البشرة وانفصل عنها ورَفَعَ حكمًا. وكذا الحجر: استهلكنا العين في العبادة، ورفعت حكمًا وهو وجوب الرمي بذلك العدد. أما الصلاة في المكان ففعل شيء في مكان شيء لا يُعلَّل به، ولا تأثير له، ولا للزمان إلا بنص من الشارع، ثم إن المكان لا يصير مستعملا بالصلاة فيه كالماء، ولا الثوب يصير مستعملاً بالصلاة فيه، ولا نسمع بهذا من جاهل ولا عاقل؛ لأن المناسبة العقلية بين الاستعمال وبين المكان - أو بين الاستعمال وبين الثوب - مفقودة، أما في الماء والحجر فالمناسبة موجودة ومحسوسة. والظاهر - والله أعلم - أن من غرضه محوُ الحقِّ صَرَفَه الله عن إدراكه.


(١) القياس الحماري: يقال: إن حماراً كان يحمل غرارة ملحاً وبينه وبين المحل الذي يقصده صاحبه نهر، فدخل الحمار النهر وأحسَّ ببرودة الماء فربض، وجعل الماء يتسرب إلى الملح، والملح ينماث ويخرج من جوانب الغرارة ثم قام الحمار وقد خف حمله، وفي المرة الثانية حمّله صاحبه قطناً فوصل الحمار إلى ذلك النهر فربض فاختلط الماء بالقطن فثقل القطن وعجز الحمار عن القيام وسمي هذا القياس بالحماري؛ لأن الحمار أقاس القطن على الملح، تمت شيخنا.