الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

إشعار الهدي

صفحة 179 - الجزء 2

  وفي تعليقه هذا قد أسهب وأطنب، وبالغ في ادعائه أن ما فعله النبي ÷ مُثلة وحكم عليه بأنه فَعل ما نَهى عنه في كل خطبة له لكنه دخل إلى غرضه من خصاصة ضيّقة تبطل دعواه، وترد حكمه عليه، وتحكم عليه أنه تعجَّل في الحكم على سيد الأولين والآخرين بحكم باطل، وقد ادَّعى أن المثلة معناها عام يشمل الإشعار وغيره حتى قال: «والمثلة أعم، والأصل عدم جواز ما يصدق عليه اسم المثلة» اهـ.

  وفي (مشكاة المصابيح) ج ٢ ص ٨٠٧ ما لفظه: عن ابن عباس قال: صلى رسول الله الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سَنَامها الأيمن، وسَلَتَ الدَم عنها⁣(⁣١)، وقلَّدها نعلينِ، ثم ركب راحلته، فلما استوتْ به على البيداء⁣(⁣٢) أَهَلَّ بالحج⁣(⁣٣). رواه مسلم. اهـ المراد.

  ثم قال: «وأما قوله: إن المثلة هي عبارة عن الجناية على الحيوان .... إلخ. فغير صحيح؛ فهي في كتب اللغة تصدق على الإشعار كما تصدق على ما ذكره» اهـ كلامه.

  أقول: يبذل الفقيه جهده في توطيد الحكم على رسول الله ÷، وهو رحمة للإنسان وغير الإنسان؟ وقد ادعى الفقيه على اللغة ما ليس فيها، وردَّ قول الإمام وهو الحق، وإليك أولًا ما في (القاموس) ثم ما في (لسان العرب)، وهما متفقان على أن المثلة النكال لا مجرد الجناية؛ ففي (القاموس) باب اللام فصل الميم ما لفظه: ومثل بفلان مَثْلَةً ومُثْلَةً: نَكَّلَ. اهـ المراد.

  وفي (لسان العرب) ج ١٤ ص ٢٠ مادة: مثل ما لفظه: ومَثَلَ بالرجل يَمْثُلُ ن ومَثُلَ كلاهما: نَكَّلَ به، وهي المُثْلَةُ والمُثُلُ، ومنه قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ}⁣[الرعد: ٦]. اهـ المراد.

  ثم إن المثلة تطلق على ما يشوه الخلقة ويجعله مُثْلَةً من قَلْع عينه، أو جَدْعِ شفتيه أو أنفه.


(١) أي: أزاله.

(٢) اسم مكان بعينه يقع بين مكة والمدينة، وهو قريب من ذي الحليفة.

(٣) مسلم، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي.