وقت صيام المتمتع الذي لا يجد الهدي
  ورمى الإمام بالعجز عن الفحص، وأنه عارٍ عن الأهلية والدُّرْبَة! على أن العلماء - أعني علماء الأصول - لم يُلزموا أي عالم بالطواف بالأقطار، ولا تقصّي كل الأسفار، بل يبحث بقدر وسعه، ثم ليس عليه إلا أن يقول: (بحثت فلم أجد)، ومن وجد بيَّنَ القول وبيَّنَ قائلَه بلا تثريب ولا تعيير، ولا انتقاص، ولا هَضْم لقائل، ولا مَقُول، وحينما نقل الفقيه في (الجرار) بحث طواف الزيارة - حكاية النووي للإجماع أنه ركن، وأنه يبطل الحج بفواته، لم يشترط على النووي هذا الشرط، ولا أفرغ عليه شيئًا من عبارات التجهيل أو النقص أو التقصير، بل نقله واعتمده، وهاهنا يسميه خيالات وترّهات! ثم لا يخفاك أن ما تجري به الأقلام يشبه ما تجري به السواقي، فإن كان ما ينحدر إلى السواقي صافيًا عَذْبًا فسيجري فيها الماء عذبًا زلالًا، وإن كان مِلْحًا أُجاجًا، مليئًا بالخَبَث والأوساخ، فالذي يجري في السواقي مثله، وهكذا ما تجري به الأقلام يحكي ما في الصدور من إنصاف أو اعتساف، من مِقَة، وحب، وتقدير لقائله، أو بُغْضٍ وشنآن له، على أن بعضهم - وإن كان في الموضوع انحراف أو ميل - يفضلون استعمال الأسلوب الأدبي؛ لأنه أسلوب إقناع، ويدعمون قولهم بالحجة والبرهان، أما كمَنْ ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء فهو رد على صاحبه، وسأورد لك أقوال القائلين بما أورده الإمام #، وليت الشوكاني احترم السلسلة العلوية؛ فهي رواية جعفر الصادق، عن محمد الباقر، عن زين العابدين، عن الحسين السبط، عن أمير المؤمنين، عن رسول الله.
  ويحكى أن رجلًا من أهل الحديث سمع حديثًا عن علي بن موسى الرضا، عن موسى الكاظم، عن جعفر الصادق، عن محمد الباقر، عن زين العابدين، عن الحسين السبط، عن علي $، فقال: (سَنَد - والله - لو تُلِيَ على مريض لشُفِيَ) اهـ.
  نعم: في (المغني) لابن قدامة الحنبلي ج ٥ ص ١٢٣ ما لفظه: مسألة (٦٦٩): فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام يكون آخرها يوم عرفة، وسبعة إذا رجع، لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن المتمتع إذا لم يجد الهدي ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. اهـ.
  وفي ص ١٢٤ ما لفظه: ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتان: وقت جواز، ووقت استحباب: فأما وقت الثلاثة فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج، ويوم عرفة،