حد الفدية
  الشارع، وشاملة لترك كل ما نهى الشرع عن فعله. ولا ينبغي لعاقل أن يتصور أن العبادة في مسمى الصلاة والصوم ونحوهما فحسب، بل إن المعاملة عبادة أيضًا، ألم يقل الحق تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين}[المطفِّفين: ١]، {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ}[الرحمن: ٩]؟! فما تعلق به خطاب الشرع فهو عبادة مطلوب فعلها أو تركها للشارع، والعبد محاسب عليها، فمعاملة الإنسان أهل بيته وجيرته عبادة، ولهذا تعلق به خطاب الشرع، بل معاملة الإنسان لما يملك: من حيوان، أو رقيق، وخادمه عبادةٌ، وقد اتسع مجال الإنكار عند الفقيه حتى ينكر أن أروش الجنايات عبادة، قل: مَن الذي قدَّر الهاشمة، والناقلة، والباضعة، والآمة، والجائفة؟! لا قوة إلا بالله.!
  وهو في خميم(١) مجاله يقول: «بل العبادة في تجنُّب المحظور لا ما وجب لأجل فعله» اهـ قل: فمن أوجب هذا الواجب؟! وهل له تعلق بالحج، ويترتب ثواب وعقاب عليه؟!
  ثم يقول: «إن العبادة ليست بذاتية للفدية». اهـ.
  أقول: لا يخفاك أن أصل (عبادة) مصدر عَبَدَ يعبد عبادة، ثم أطلقت على العين المأمور بها من باب تسمية المفعول بالمصدر: كقوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ}[لقمان: ١١] أي مخلوقُه. وبهذا صارت العبادةُ اسمًا لنفس الفدية، وتحديدُها تحديدًا للفدية.
  وقوله: «إن الجنس لا يكون إلا بالذاتي». اهـ. ربما يتصور من لا عهد له بالحد أن الذاتي ما يَشْغَل حَيِّزًا، ويكون ملموسًا، وليس هذا غرض المناطقة، فلا تسمع لهذا الإجمال، مقصود أهل الفن بالذاتي: ما يكون جزءًا من المحدود، مثل حد «الكلام» تحدُّه بذاتياته: أنه لفظ مفيد. وحَدُّ الإمام قد اشتمل على: ١ - الجنس، وهو ما يَسَعُ المحدود وغيره. ٢ - والفصل وهو ما يخرج به غير المحدود، فالحد عند أهل الفن: هو القول الشارح، أي المبيِّن للمحدود، المميِّز له عن سواه.
(١) أثناء جولانه أو أثناء كلامه تمت شيخنا.