المحصر يلزمه القضاء
  حالق رأسه من أذى، ولم يعذره من إيجاب فدية، سواء كان ذلك في إحرام فريضة أو تطوع، فكذلك ينبغي أن يكون حكم المحصر بحجة فرض أو نفل في وجوب القضاء. وواجب أيضا أن يستوي حكم إفساده إياه بالجماع وخروجه منه بإحصار، كما لم يَخْلُ من إيجاب كفارة في الجنايات الواقعة في الإحرام المعذور ونحوه، ويدل على وجوب القضاء على المحصر - وإن كان معذورًا - اتفاق الجميع على أن على المريض القضاء إذا فاته الحج، وإن كان معذورًا في الفوات(١)، كما يلزمه لو قصد الفوات من غير عذر، والمعنى في استواء حكم المعذور وغير المعذور ما لزمه بالإحرام بالدخول، وهو موجود في المحصر، فوجب ألا يسقط عنه القضاء، ويدل عليه أيضًا قصة عائشة حين حاضت وهي مع النبي ÷ في حجة الوداع وكانت محرمة بعمرة، فقال لها النبي ÷: «انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج، ودعي العمرة»، ثم لما فرغت من الحج أمر عبدالرحمن بن أبي بكر فأعمرها من التنعيم، وقال: هذه مكان عمرتك، فأمرها بقضاء ما رفضته من العمرة للعذر، فدل ذلك على أن المعذور في خروجه من الإحرام لا يسقط عنه القضاء، ويدل عليه أيضًا أن النبي ÷ لما أحصر هو أصحابه بالحديبية وكانوا محرمين بالعمرة وقضوها في العام المقبل، وسميت عمرة القضاء، ولو لم تكن لزمت بالدخول ووجب القضاء لما سميت عمرة القضاء، وفي ذلك دليل على لزوم القضاء بالإحلال. اهـ المراد.
  وفي (الروض النضير) ما يقرب من هذا، تركته خشية الإطالة.
  ولو أن الفقيه يلتزم بآداب العلماء ويقول: (المسألة خلافية، ورأي فلان كذا، وحجته كذا، ورأينا كذا، وحجتنا كذا) لكان أقوى وأقوم، ولكن في غالبية مباحثه دعوى أن العصمة معه، وأن الحق ما جرى به قلمه، وفاض به فكره، واعتلج في ضميره! وهذه لا تكون في عالم مطلع على أقوال الناس وخلافاتهم وأدلتهم، ودعوى تضليل الغير، وانفراده بإصابة الحق دليل على أن العلم لم يهذبه، ولا راض أخلاقه، ولا ذلَّل للحق نفسه، ونسأل الله موافقة العصمة، ونعوذ به من مقارفة الوَصْمة.
(١) معذور في الفوات لكن عليه القضاء. تمت شيخنا.