يكون الحج عن الميت من ثلث ماله
  أين أخذ العلماء أن للأب الثلثين، وهو لم يصرح به في قوله تعالى: {فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ}، {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى}[الإسراء: ٧٢] الآيةَ فهو في الحديث النبوي أعمى.
  ثم يقول: «وإنما فيه جواز حج الولد عن الوالد». اهـ. أقول: هل هنا ذكر للوالد أو للولد، أو هو لفظ عام شامل: «دَيْنُ الله أحق أن يقضى»؟! ثم كيف يتم الحج عمن عليه الحج بدون تكلفة؟! أما علمت أن الأمر بالشيء هو أمر بما لا يتم إلا به؟!. أما علمت أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩] فيه الإلزام بما لا يتم الحج إلا به من تكاليف السفر، ونفقة من يعول، ومحرم الشابة، وما يكفيه ذهابًا وإيابًا؟! أهو كذلك أم لا؟
  ولو قال شخص لوكيله: (ابن لي صَرْحًا) فصرف ما يحتاج إليه من مال الموكل لكان صرفه كله بأمره ومتناولاً له، ولو قيل له: لِمَ صرفت هذا؟ فقال: أمرني أن أبني له صرحًا. لكان جوابًا مُسْكِتًا؛ لأن الأمر بالشيء أمرٌ بما لا يتم إلا به، إذا تقرر هذا علمت أن الأمر للمحتضر بصرف ما يجب صرفه في واجب عليه أمر إيجاب لا رخصة، وأن هذا قريب من دلالة الاقتضاء التي تحتاج إلى الإضمار وجوبًا، وكان منطوقًا به: كقوله ÷: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» أي إثمهما ولو لم يقدر هذا التقدير لكان كذبًا؛ لأنهما لم يُرْفَعَا، أو الصحة العقلية نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} لو لم يقدر (أهل) لكان لا يصح عقلا. أو الصحة الشرعية كما يمثل الأصوليون بقولهم: (إعْتِقْ عبدَك عني على ألف)، وإلا لما صح العتق عنه.
  ثم عَمَدَ الفقيه إلى تشكيك جَعْلهم المُخْرَج تارة من الثلث، وأخرى من رأس المال.
  وقد قدَّمتُ لك في البحث الذي قبل هذا أقوال العلماء؛ فالله سبحانه وتعالى قد فرض له الثلث في ماله؛ لبراءة ذمته، والتقرب إلى الله، فإن أوصى فقد اتبع إرشاد رسول الله ÷، فإذا أوصى فيُخْرَجُ ما أوصاه من الثلث، وإن أعرض عن الوصية أُخْرِج ما عليه للعبد أو للمعبود من رأس المال؛ لأنه دين.