(تحريم نكاح الكتابية)
  جحد النبوة، وهذا باطل، فإن المشرك هو من يجعل مع الله شريكًا في الربوبية، وهذا يصدق على أهل الذمة من اليهود والنصارى، قالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله؛ فهذا شرك محقق من دون ذلك التكلف، ومنها: ما ذكره في الكلام على حديث: «أحل لنا ذبائح أهل الكتاب، وأحل لنا نساؤهم، وحرم عليهم أن يتزوجوا نساءنا»؛ فإنه حمل أهل الكتاب على من أسلم منهم، وجاء بتلك الحجج الواهية، وهذا الحمل لا يساعده اللفظ، ولا يقبله الفهم، وليس إليه حاجة يقتضيها المقام، وكيف يصح هذا بعد قوله: «وحرم عليهم أن يتزوجوا نساءنا»، فإن من أسلم منهم لا يحرم عليه ذلك بلا خلاف، ومنها ما ذكره، في تفسير قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ}[المائدة: ٥] فإن معنى هذه الآية أوضح من الشمس؛ لأنها واردة لبيان ما يحل للمسلمين؛ فإنه قال: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}؛ فالحق الحقيق بالقبول أن العمومات الواردة في تحريم نكاح المشركات مخصصة بهذه الآية الواردة في أهل الكتاب» اهـ كلامه باختصار.
  أقول: استخدم الفقيه كلمة لفظ في قوله: «لا يساعده لفظ القرآن» اهـ، وإذا أراد القرآن فلا يجوز؛ وإنما يقال نظم القرآن لا لفظه؛ لأن اللفظ هو الملفوظ(١)، وتعالى القرآن عن هذا، واستخدم الإمام الحسين: «تزوج» متعدية بنفسها، وهي لا تعدى إلا بالباء، {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِين}[الدخان: ٥٤]، و «نكح» تتعدى بنفسها {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء: ٣].
  نعم: قد أسهب الفقيه في هذا المقام وأطنب مع أن الأمر أيسر من هذا؛ فلا شك أن آية سورة البقرة لنكاح كل مشركة، سواء كانت كتابية أم غير كتابية، وآية المائدة متأخرة عن آية البقرة، صريحة في حل المرأة من أهل الكتاب، غير حربية يهودية أو نصرانية. أما الحربية فلا تحل إلا إذا أسرت في المعركة، وإن كانت ذات زوج؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء} أي أنهن حرام {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، وهي أسيرة المعركة، وهذا هو إجماع
(١) من قولهم: لفظت النواة أي: قذفتها ورميتها.