الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(تحريم نكاح الكتابية)

صفحة 267 - الجزء 2

  الصدر الأول، ولم يشذ عنه إلا ابن عمر، وقد كان عمر ينهى عن نكاحهن لا للتحريم وإنما خيفة أن تقع أيديهم على المومسات. هذا وقد سبق لي⁣(⁣١) أن حررت رسالة في نكاح الكتابية: وهو أنه وردنا سؤال من بعض المستفيدين وهو: هل نكاح الكتابية حلال كما ذهب إليه الجمهور؟ أو حرام كما ذهب إليه ابن عمر، وأئمة أهل البيت $؟ وأظن أن السؤال ليس من البساطة بحيث يُجاب عليه بحلال أو حرام، بل لا بد من النظر في ما أحاط به واكتنفَه من أمور يجب اعتبارها ومراعاتُها؛ لأنها تمس مصلحة النسل، وتمس مصلحة الزوجين؛ وقد اختلفت عما كانت عليه قبل أفول سلطان المتحد المسيطر على الأرض الإسلامية، فيتعين النظر في أمور منها:

  ١ - أن الإسلام كان حين حلَّ نكاح الكتابية هو الدين الظاهر، وقضاؤه هو النافذ عند التحاكم، فإذا ما حصل شيء من الخلاف فلا خشية على الولد من الفرقة؛ لأنه سيلحق بأبيه المسلم والمجتمع المحيط به مسلم، والتعليم القائم والتربية، وأترابه كلهم إلى الإسلام؛ فالأم إنما هي حرث لا تأثير لها على الولد، مع أن عمرَ قد نهى عن هذا، وأمر من كان قد نكح منهن أن يفارقوهن؛ خشية أن يقعوا عن زَوانٍ، فدل نهيه وإقرار المسلمين له أنه ليس حِلًّا مطلقا، وإنما هو حل ضرورة: كحل أكل ذبيحتهم عند بعض العلماء.

  ٢ - لا يخفاك أن تأثير الأم على الولد أكثر من تأثير الأب كما أشار إليه الجاحظ؛ لأن الأب حظه في الطفل النطفة، أما الأم فالنطفة والتربية في بطنها، وإرضاعه، وغير ذلك؛ فلهذا ينزع إلى أخواله وأمه أكثر من أعمامه وأبيه.

  ٣ - قد كان هذا الحل حين عز الإسلام ونفوذ سلطانه وذمية أهل الكتاب، ونفوذ حاكميته. أما في وضع كوضع اليوم، ووضع كوضع المسلمين اليوم فلا يخفى أن أهل الكتاب يهود ونصارى حربيون، فإن مكث الزوج معها في ديارها فلا حجة له


(١) وقد سبق أيضاً لشيخنا استطراد ذلك في المجلد الأول في بحث ذبائح أهل الكتاب.