الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(تحريم نكاح الكتابية)

صفحة 269 - الجزء 2

  أولاده، من سيقضي له بكفالة مَنْ بَلَغَ من أبنائه وردهم إليه؟، وأي سلطان لنا عليهم اليوم؟! سيظل الأولاد في مهد الكفر يهودية أو نصرانية، وأي تربية سيلقونها؟ ومن أي خصاصة يَدْخُلُهم الإسلام وهم يعيشون عند أم وأسرة ومجتمع يبغض الإسلام والقرآن والنبي وسائر شعائر الدين؟!

  وإذا كان رحى تحريم الخمر هو أنه يوقع البغضاء والعداوة بين المسلمين فكيف نغرس الكفر بكل أصنافه في قلوب أولادنا؟! وقد كره الإسلام نكاح الأمة المسلمة؛ لأنه سيعرِّض أولاده منها للرق، فأي الأمرين أخطر: تعريضهم للكفر، أو للرق؟!

  على أنها تحظى عنده، بحسن المعاشرة بينهما والأنس بها، وفراغ قلبه لمحبتها، وانبساطه لكل ما يبسطها، وارتياحه لكل ما يريحها، كيف هذا مع امرأة هي لأولى الناس⁣(⁣١) به شانية؟! ولكتاب مالكه مكذبة! ولخالقه شاتمة! وللدين كارهة فاركة!.

  أما حالها مع ولدها فلا شك أن تأثير الأم في نزعة الطفل وقبوله أكثر، وميوله وسلوكه لأمه أكثر من الأب؛ لأن حظ الأب - كما قال الجاحظ -: هي النطفة كمخطة منه أو بصقة.

  أما الأم فهي أكثر منه مساهمة: ساهمتْ بنطفة، ثم استقر في رحمها، ثم انتقل في بطنها، في ضيافتها يتغذى، منها بطريقة لا يعلمها إلا الله، حتى خرج من بُظْرِها⁣(⁣٢)، ثم فَصَلَ منها كقطعة من كبدها، أو من أعز شيء فيها، ولم تزل علاقتها به قائمة وقوية، لا يَعْرِفُ محسناً إليه سواها، تمده بلبنها وحنانها، ويرى في نظراتها وضمه إليها الرقة والحنان، وكل حين وهي تراه ويراها؛ فقلبه بقلبها ألصق، وهواه بهواها أعلق، وهي من استبدّت بسلوكه، وجرته بوسائل الإحسان والرعاية إلى اتباعها؛ فلا حَسَنَ عنده إلا ما استحسنتْ، ولا قبيح إلا ما قَبَّحَتْ، وهي بحكم دينها تأكل الخنزير، وتشرب الخمر، ولئن كانت العلة في تحريم الخمر، وقطب رحى التحريم هي بذر العداوة والبغضاء بين المسلمين، فكيف بتنقيص الله ورسوله؟!


(١) أي رسول الله.

(٢) فرجها.