امرأة المفقود
  معلوم؟ بل تحيط نقدك بالإجمال والإبهام، لغرض الإيهام، ولترمي خصومك بسهام خفية، ثم إن ما حكيته عن أهل الطبيعة من أن لكل طبيعة من الطبائع الأربع ثلاثين سنة وهي تغلب عليه هذه المدة، لا يلزم من غلبتها عدم الموت؛ وهذا معلوم عند جاهل وعاقل، ثم إني لأظن هذا خَرْصًا لا يستند إلى قائل ولا كتاب. كذا التحديد بأربع سنين للعمر الطبيعي؛ فهو من هذا الطراز الشوكاني كاني.
  وقد تعرض لهذا الموضوع الفقيه صالح مهدي المقبلي بدون مهاجمة مبطنة، ثم أبدى رأيًا غير نازح عن هدى، ولا نازع إلى هوى، ولم يذكر أربع سنين، ولا ما زاد على مائتين، ولا اختلاف العمر باعتبار وجود المال والأهل، وعدمهما؛ لأنه من الزَّبَدِ، لا مما ينفع الناس، وصان(١) مقامه عن كلمة كفرية؛ إذ لا تليق بمثله، وختم شوطه بقوله: إنه متوقف في جواز الفسخ؛ استنادًا إليها، والذي نعرفه ونعايشه أن معترك منايا الناس جرياً مع الأغلب لا يبلغ المائة إلا نادرًا، وأندر منه الزيادة عليها، وتكاد أن تكون هذه سنة مطردة يحسن الاستناد إليها؛ لأن النادر لا حكم له. اهـ كلام المقبلي.
  نعم: إن فسخ نكاح المغيبة أمر صعب كما أشار إليه الفقيه في أول مناقشته؛ لأنها محصنة يحتاج فسخها إلى تأنٍّ وريث؛ لأن العقد الصحيح له قوة الحكم الصحيح، والحكم الصحيح لا ينقض إلا بمثله، وهذا المقام لا شك أنه يحتاج إلى قاض يستحق هذا المقام بالأهلية أولاً، ثم بالقرار ثانياً، وأنى لنا هذا في هذا العصر؟ وإذا أحيط المقام بضرر على المرأة كعدم الإنفاق فالظاهر رجحان الفصل؛ لأنه وجب في البهيمة، كما قال أصحابنا: (وذو البهيمة يَعْلِف أو يبيع، أو يُسيِّب في مرتع) إذ لا يجوز له حبسها وهي مملوكة له فكيف بالمرأة! ولحديث «أطعمني أو طلق».
  وقد وجدت رسالة بقلم والدي حجة الإسلام زيد بن علي الديلمي - | وأعاد علينا من بركاته - في جواز الفسخ؛ لتعذر الإنفاق. اهـ، أما لضرورة النكاح، فإن كان لها عليه أولاد ولا كافل لهم سواها، فسيلقون من زوجها الأَمَرِّينَ وَالأَقْوَرِينَ(٢) فالأمر محتاج إلى رويّة تامة؛ لأنه كدفع ضرر بضرر أعظم، والله أعلم.
(١) أي المقبلي.
(٢) الأمرين والأقورين بكسر الراء كما نقله العلامة في تفسير سورة الأنعام في قوله: {يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ} إذ أسند المس إلى العذاب، نزل منزلة العاقل، وهاهنا جمعهما جمع السلامة؛ تنزيلا لهما منزلة العاقل. تمت شيخنا.