الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

امرأة المفقود

صفحة 280 - الجزء 2

امرأة المفقود

  قال الشوكاني: قوله: «وإذ قد ذكرنا أن المحصنة المسلمة وهي التي لها زوج مسلم لا يجوز نكاحها دخل في ذلك امرأة المفقود ... إلخ أقول: قد تشعبت المذاهب في امرأة المفقود إلى شعب ليس عليها أثارة من علم، لا سيما التحديدات بمقادير معلومة من الأوقات: منها ما هو رجوع إلى مذاهب الطبايعية، كقول من قال: إنه ينتظر المفقود حتى تمضي له من يوم ولادته مائة وعشرون سنة، فإن هذا هو عين مذهب جماعة من الطبايعية قالوا: أكثر ما يعيش الإنسان مائة وعشرون سنة؛ لأن كل طبيعة من الطبائع الأربع إذا لم يعرض لها ما يفسدها تغلب على الإنسان ثلاثين سنة، فيحصل من مجموع الأربع الطبائع مائة وعشرون سنة، وهذا مذهب كفري، وكلام بمعزل عن الشريعة، ومن العلماء من قال: مائة وخمسون، ومنهم من قال: مائتان، ومنهم من قال: أربع سنين، ومنهم من قال زيادة على ذلك، والكل محض رأي. وعندي أن تحريم نكاح المحصنة ورد به النص القرآني، وأجمع عليه جميع المسلمين، بل هو معلوم من ضرورة الدين، وامرأة المفقود محصنة؛ فالأصل الأصيل تحريم نكاحها، إذا لم يكن لها ما تستنفقه وكان إمساكها حينئذ وإلزامها الاستمرار على نكاح الغائب فيه إضرار بها كان ذلك وجهًا للفسخ» اهـ كلامه باختصار.

  أقول: أولا: ملاحظ عليه قوله: «ولها زوج مسلم» اهـ؛ لأن المسلمة لا يكون لها زوج إلا مسلمًا، وقوله: «مذاهب الطبائعية» اهـ لحن صرفي مَشِينٌ، وهو لحن من وجهين: أولا: من النسبة إلى الجمع، والنسبة لا تكون إلا إلى المفرد، فتقول في النسبة إلى الجبال: جبلي، لا جبالي. ثانيا: الياء تحذف من نحو مدينة وطبيعة، فتقول: مدني نسبة إلى مدينة، وجهني نسبة إلى جهينة، وكذا طبعي نسبة إلى طبيعة لا طبيعي.

  ثم في الموضوع أقول: نعم، بعد حكايته لقول من قال: (مائة وعشرون سنة) نقد نقدًا لاذعًا حتى ادعى أنه مذهب كفري بمعزل عن الشريعة؛ فنقول: من أين للفقيه أن صاحب هذا القول أخذه عنهم؟! لأنه لا يجوز أن يدان عالم إلا بما جرى به قلمه، أو نطقت به لسانه، لا سيما وهو كفري - كما زعمتَ - ولماذا لا تعزو قولك إلى ملوم معين؟ أو إلى كتاب