عدم احتياج الطلاق الصريح إلى نية
  جرأته على العلم أن يقول فيه بغير علم، ثانياً: جهله لمقصود العلماء من الكناية؛ فهو في بحثه جعل الصريح مجرد اللفظ وإن لم يقصد المعنى، والكناية هي نفس الصريح؛ إلا أنه قصد بها اللفظ والمعنى، ولم يدر أن الكناية لها ألفاظ معينة مثل: إلحقي بأهلك، وأنتِ حرة، وتقَنَّعي، وأمرك بيدك، وغيرها.
  ومن هنا أُتي فزلَّت قدمُه، وتداعى انتقادُه على أن الكناية حقيقتها، والتمثيل لها مبثوثة في كتب الفقه وشواهدها، والمتفق عليه منها، والمختلف فيه.
  وحين جعل الصريح والكناية لفظا واحدًا - إلا أن الصريح لم يقصد معناه، والكناية قصد المتكلم فيها المعنى - قال: «نعم، إن مجرد التكلم بالكلمة من غير إرادة مدلولها بل مجرد التصويت بالحرف، كما يقع من بعض من يشتغل فكره بشيء؛ فهو لا يريد معناه» اهـ.
  أقول: هو يعني الطلاق الصريح الذي لا يشترط فيه قصد المعنى.
  نعم: أين يوجد هذا الذي يتكلم وهو في سلامة من عقله وحواسه وغير مكره وهو لا يعني ما يقول وينطق بصريح الطلاق غافلا عما يترتب عليها(١)، وهو أمر من الخطورة بمكان، يمكن صدور هذا ممن غلب السكر على عقله، أو مُهَوِّس، أما صدوره من عاقل سليم مختار فلا، ولو حضر هذا الشخص في جماعة من الناس وجرى بينه وبين آخر عقد فقال: بعتُ أو اشتريتُ، ثم يقول:] لم أقصد المعنى [هل يسمع منه هذا؟ وكذلك في اللعان، والظهار، والعتق، والنذر، والإقرار، والشهادة، هل تصور الفقيه حين رَسْمه لهذه الشعوذة أنها ستقبل، وإن أتت على عقود الناس، وأبطلت ما في كتب العلماء، وأنه يجوز لأي شخص أن يقول: (ما قصدت المدلول) ويقذف زوجه، ويرمي المحصنات ويقول كلمة الكفر غير مكره ولا مضطر، لا شك أن الإغواء والتلبيس درجات، أو دركات، لكن هذا من أحطِّ ما وقفت عليه.
  قل: فلم احتج الله سبحانه على الناس بأقوالهم وألزمهم ما يترتب عليها؟ وفي آية التوبة: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}[التوبة: ٦٥] يعني لم نقصد المعنى -
(١) أي كلمات الطلاق