الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

عدم احتياج الطلاق الصريح إلى نية

صفحة 332 - الجزء 2

  كما قال الفقيه - فرد عليهم سبحانه بقوله: {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}⁣[التوبة: ٦٦].

  ثم يقول الفقيه: «لا سيما في هذا الأمر الخطير، والخطب الجسيم، وهو الفرقة بين الزوجين، والحكم بتحريمها عليه، وتحليلها لغيره ... إلخ» اهـ كلامه.

  أقول: نعم، الخطر الكبير، والشر المستطير هو ما زينتَه بقلمك؛ فبه يعظم الخطب، ويحل الثبور، وتعطل الأحكام، وتسد مسالك الشريعة. ويتجه السفهاء بكلام الفقيه إلى كل قبيح.

  ثم يقول: «ولا أدري أي رواية أو دراية أرشدت القائل بوقوع صريح اللفظ وإن لم يقصد المعنى؟ على أنه قد وقع الاتفاق بين أهل الأصول على أن الفهم شرط التكليف، أي فهم التركيب» اهـ كلامه.

  أقول: مرادهم أن التكليف والوجوب غير واقع حتى يعلم المكلف بوجوب الواجب، وحولها الفقيه مغالطة إلى فهم التركيب؛ لأجل يبطل القول بصحة صريح الطلاق، وأنى له هذا؟ وفرق بين التكليف، وإيقاع الطلاق: فالتكليف حصول العلم بالواجب، والامتثال بإيقاعه عند الطلب، وحصول السبب. أما فهم معنى الطلاق فليس بتكليف.

  ثم إن العلماء الذين قالوا: (إن الفهم شرط التكليف) مجمعون، - ما شذ عن إجماعهم أحد - على أن صريح اللفظ من عالمٍ به لازمٌ، ولا تقبل دعواه أنه لم يقصد المعنى، ولا يشترط قصد المعنى وإلا بطل ما ذكرنا، وبطلت كل العقود، وعُدَّت كاذبة وخيارات فاسدة.

  ثم يقول الفقيه: «إذا صدر لفظ صريح الطلاق من عاقل، واختلف بعد ذلك هو وامرأته فقالت: طلَّقَني بهذا اللفظ الذي تكلم به، وقال: لم أطلق، بل تكلمت بهذا اللفظ غير قاصد لمدلوله كان القول قولها؛ لأن صدور ذلك من العاقل في غاية الندرة» اهـ

  أقول: ألا تراه قد أبطل ما أسلف، ورجع إلى الحق من قول السلف؛ فقد ألزمه الفقيه هنا ما يتكلم به، ولم يسمع لقوله: (لم أقصد المدلول)، وهذا هو الحق الذي زاغ عنه آنفًا، وسينقضه عما