الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الحرام من كنايات الطلاق

صفحة 335 - الجزء 2

  وجها؟ ولم يحك إلا عن قول واحد أنها يمين، وكيف خفيت على الجمهور وهي صريح الآية ومنطوقها، ظلت متوارية حتى جاء الفقيه؟! لكنا سنقول: أين هذا التصريح في الآية الذي ظهر لك وخفي على الصحابة والتابعين؟! نحن في حيز المنع، ولو كان ثَمَّ تصريح ما اختلف فيه اثنان؛ لأنه سيكون المخالف محجوجًا بكتاب الله.

  ثم قال: «السبب وإن كان خاصًّا وهو العسل الذي حرمه رسول الله ÷ على نفسه، أو الأمة⁣(⁣١) التي كان يطأها فلا اعتبار بخصوص السبب؛ فإن لفظ: {مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} عام» اهـ.

  أقول: نعم النزاع الآن ليس في العموم، إنما هو في تصريح القرآن بأن التحريم يمين، وهذا غير موجود، وستبقى هذه الدعوى في عنقك حتى تبدي الدليل.

  ثم قال: «وعلى فرض عدم العموم فلا فرق بين الأعيان التي هي حلال» اهـ.

  أقول: هكذا يقول، وهي جملة حفت باللغو؛ والذي أوقع الفقيه في هذا الوهم هو أنه توهم أن الكفارة عن التحريم، وإذ جاء فيها كفارة فهي يمين؛ لأن بين اليمين والكفارة لزومًا شرعياً، وهو منه خبط وخلط؛ فالقضية فيها تحريم ويمين؛ وقد جاء في بعض طرقها أن حفصة زوج النبي ÷ غابت عن بيتها، فاستدعى رسول الله ÷ مارية أم إبراهيم @، وهي التي سماها الفقيه أمة! فجاءت حفصة، فقالت: ما صنعتَ هذا بي من دون سائر نسائك إلا لهواني عليك؟ فطلب منها ألاّ تخبر عائشة، فحَلَف يميناً أنه لا يطأ مارية، أو حلف ألا يشرب العسل، كما في بعض الروايات؛ فالقضية اشتملت على تحريم ويمين، واليمين مذكورة في حديث عائشة الذي أورده الفقيه أنه آلى من نسائه، وآلى يعني حَلَفَ، والألية: اليمين؛ قال الأعشى:

  فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من وَجَى حتى تلاقي محمّدًا

  وكان ÷ مضطرًّا لإرضاء الضرتين: حفصة، وعائشة، فعاتبه الله على التحريم لما أحل


(١) المقصود بها مارية القبطية. تمت شيخنا.