الظهار
  كيف (الكشاف)؟ قال: صعب لا ينال إلا بِعُدَّةٍ وجهد. والظاهر أن الفقيه حاول كسب صيت، وأنه ممن يظن به الرد على جار الله إمام أهل التفسير، واللغة، والبيان.
  تحاكي هذه قصة حكيت عن المغيرة بن شعبة، أنه خطب ابنة النعمان، إذ كان واليًا على الكوفة وبنت النعمان لها دَيْر فيها(١) وقد تنصَّرت فرفضت خطبته، وقالت: ما يريد شيخ أعمى أعور من عجوز عمياء؟! ما غرضه إلا أن يقال: تزوج بنتَ النعمان، فبلَّغوه(٢) رفضها وما قالت، فتعجب من فهمها لمراده، وقال:
  أدركتِ ماَ منَّيْتُ نفسيَ خالياً ... لله دركِ يا ابنةَ النعمان
  فلقد رددتِ على المغيرة دَهْيَهُ ... إن الملوك حديدة الأذهان
  وممن حكاها من علماء الحنفية صاحب (شرح فتح القدير) ج ٣ ص ١٣٦. إلا أنه رواها (ذهنه) وهو غلط، وأظنه مطبعيًّا؛ والصحيح «دَهْيَهُ» أي مَكْره وخِدَاعه.
  وإليك ما قاله العلامة في (كشافه) نصًّا ج ٤ ص ٤٨٦ سورة المجادلة، ولفظه: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} يعني والذين كانت عادتهم أن يقولوا هذا القول المنكر فقطعوه بالإسلام، ثم يعودون لمثله، فكفارة من عاد أن يحرر رقبة، ثم يماس المظاهَر منها، لا تحل له مماستها إلا بعد تقديم الكفارة. اهـ المراد.
  هذا هو الوجه الأول الذي علق عليه الفقيه، ومعناه واضح، وهو أن المظاهر في الإسلام عاد لمألوفه في الجاهلية بعد أن قطعه بالإسلام، هل تجد فيه أنه تكلم عن مظاهرة بعد مظاهرة حتى يلزمه إلزام الفقيه؟! لأن المظاهر في الإسلام قد عاد لما نهي عنه، ويصح أن يسمى عائدًا بمرة واحدة، ثم إن القول الذي فهمه خطأ من كلام جار الله لم يصدر عن أشد الناس غباء، وأسوأهم فهمًا، وأقلهم في العلم حظًّا، فكيف نرمي به جار الله؟ وجارُ الله جارُ الله.
(١) في الكوفة.
(٢) بلّغوا المغيرة.