الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

حكم المضاررة بالإيلاء

صفحة 362 - الجزء 2

  ولو أن الأمور أُخِذَتْ على ظواهرها حُبِسْنا عندها، وامتنع القياس، ولما احتجنا إلى العلماء الذين أوجب الله الرجوع إليهم لاستنباط الحكم، ولكان علي # وابن عباس وأمثالهما لا فرق بينهم وبين من أهدر آيات سورة الممتحنة، وحظر العمل بها، وألزم التقيد برأيه، فحينما يُولي منها زوجُها، ويحلف ألاَّ يطأها، ولها ترائب وربما ضرائر يكون عليها غضاضة، وفيه إهدار لحسن عشرتها، فوقَّت اللهُ له وقتاً للفيء أو الطلاق، وحينما يقسم ألاَّ يطأها وهي مريضة وهي تريد ألاَّ يطأها، أو حرصاً على حسن تربية الولد، لأن حملها وهي مرضع إفساد لصحة الولد، لأن اللبن يفسده الحمل، وكان مكروهاً حتى عند الجاهلية؛ لأنه يعرض الولد لما لا يُحْمَد، قال شاعرهم مادحاً آخر:

  ومُبَرَّأ من كلِّ غُبَّرِ حيضةٍ ... وفسادِ مرضعة وداءِ مُغِيل

  وفي (أساس البلاغة) لجار الله ما لفظه: هذا الصبي أفسدته الغَيْلة وهي إرضاعه على حَبَلٍ وقد أغالته وأغيلته، وقالت امرأة: (ما سقيته غَيْلاً ولا حرمته فَيْلاً)، وتقول: (إذا أرضعتِ ولدَكِ غَيْلة، فقد قَتَلْتِه غِيلة). اهـ المراد، والفقيه بعَسِيبه يعارض إمام المشارق والمغارب الذي قال فيه النبي ÷: «أقضاكم علي».

  ففي مثل هذا الوضع لا غضاضة عليها؛ لأنها على ولدها أحرص، وبه أَحْنى، فلا سماع للزامل، ولو تأملت قوله تعالى: {فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}⁣[البقرة: ٢٢٦] لتبين لك قول علي #؛ لأن في الآية إشارة إلى إثمه بالإيلاء، ولا إثم إلاَّ إذا كان مُضَارِراً لها به، أما إذا كان في مصلحتها أو مصلحة الحمل أو الرضيِع فلا إثْمَ، وهذه الدقائق كما قال سبحانه: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون}⁣[العنكبوت: ٤٣]، فسلام على ابن أبي طالب يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.