الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(بطلان حديث خمس رضعات يحرمن)

صفحة 378 - الجزء 2

  أبطل عموم الآية بأحاديث قال: «إنها مختلفة» اهـ، وأرخَص مقامَ ا لآية الكريمة، وأهاض عمومها، وكيف ساغ له أن يتقيد بأحاديث مختلفة في مفهومها؟! منها آية بينة محكمة من كتاب الله الذي يجب عرض الحديث عليه كشرط للقبول؛ لأن الآية قطعية الدلالة، واضحة المعنى والأحاديث التي جلبها لا تقوى على معارضتها، هل فيها من غموض؟! وهل عمومها قادح في العمل بها؟! ولماذا عمل بها النبي ÷ في حديث البخاري ص ١٢٦: باب شهادة المرضع: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم: أخبرنا أيوب عن عبدالله بن أبي مليكة قال: حدثني عبيد بن أبي مريم قال: تزوجتُ امرأةً فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة، فأعرض عنه، فأتيته من قبل وجهه، قلت: إنها كاذبة قال: «كيف بها وقد زعمت، دعها عنك» اهـ المراد.

  هذا لفظ البخاري، فهل ترى أن النبي ÷ قصَّر حيث لم يسأل: كم رضعةًَ؟ رضعت وأخطأ في الحكم حيث عمل بالعموم أم أنه تقيد بكتاب الله سبحانه الموجب للحرمة بوقوع ما يسمى رضاعاً أم أن الحديث مطعون فيه؟! قلت شعراً:

  تبّاً لناصر بدعة ... ثنى إليها انصبابه

  ولو دَرَى ما يلاقي ... ما باع فيها صوابه

  وقد أعضله ا لجمع بين الأحاديث وأفرغ جهده؛ ليلفتنا عن عمومها، فادعى أن في حديث (خمس رضعات يحرِّمن) حصراً، على أن الحديث مطعون في صحته من حيث النظر؛ لأنه كيف يكون عند رسول الله ÷ قرآناً يتلى، وأنه لا تُحرِّم إلَّا الخمس، ثم يقول: «لا تحرم المصة والمصتان ولا المجة ولا المجتان»؟! وبين منطوق هذين الحديثين وبين مفهوم الخمس تعارضٌ؛ لأن مفهوم الخمس أن الأربع لا تحرِّم، ومنطوق الحديثين أن الثلاث الرضعات يحرِّمْنَ!، فكيف يصح الحديث مع ادعاء الراوي أنه قرآن يتلى؟! فما هو الناسخ بعد موت رسول الله؟! ثم إن النبي ÷ في حديث «دعها عنك» قد عمل بعموم الآية؛ إذ نهى⁣(⁣١) عنها، ولم يستفصل بكمّ ولا كيفٍ، وإيراد الحكم بدون استفصال يدل على العموم، فهو ÷ عامل بالآية، ورأيه مع كتاب الله، قال في (أحكام القرآن) للجصاص


(١) أي نهى رسول الله الرجل عن المرأة.