الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(بطلان حديث خمس رضعات يحرمن)

صفحة 379 - الجزء 2

  الرازي الحنفي (ج ٣ صـ ٦٦): مسنداً عن ابن الربيع عن عمرو بن دينار قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إن ابن الزبير قال: (لا بأس بالرضعة والرضعتين) فقال ابن عمر: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير، قال الله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} ففهم من ظاهر اللفظ التحريم بقليل الرضاع، واختلف السلف ومن بعدهم في التحريم بقليل الرضاع فروي عن علي وعمر وابن عمر والحسن وسعيد بن المسيب وطاوُس وإبراهيم والزهري والشعبي: (قليل الرضاع وكثيره يُحَرِّم في الحولين)، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر ومالك والثوري والأوزاعي والليث، قال الليث: (أجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرِّم في المهد ما يفطِّر الصائم)، وقال ابن الزبير والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت: (لَا تُحَرِّمُ الرضعة ولا الرضعتان).

  وقال الشافعي: (لا يُحَرِّم من الرضاع إلاَّ خمس رضعات متفرقات) وقد قدمنا في سورة البقرة ذكر دلالة الآية على إيجاب التحريم بقليل الرضاع، وغير جائز إثبات تحديد الرضاع الموجب للتحريم إلاَّ بموجب العلم من كتاب أو سنة منقولة من طريق التواتر، ولا يجوز قبول الأخبار الآحاد عندنا في تخصيص حكم الآية الموجب للتحريم بقليل الرضاع؛ لأنها آية محكمة ظاهرةُ المعنى، بَيِّنةُ المراد، لم يثبت خصوصها بالاتفاق، وما كان هذا وضعه فغير جائز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس، ويدل عليه من جهة السنة قول النبي ÷: «إنما الرضاعة من المجاعة» رواه مسروق عن عائشة عن النبي ÷، ولم يفرق بين القليل والكثير، فهو محمول عليهما جميعاً، وروي عنه ما روي عن النبي ÷ من جهة التواتر والاستفاضة أنه قال: «يَحْرُمُ من الرضاع ما يَحْرُمُ من النسب» رواه علي وابن عباس وعائشة وحفصة عن النبي ÷، وتلقاه أهل العلم بالقبول والاستعمال⁣(⁣١)، فلما حرم النبي ÷ من الرضاع ما يحرم من النسب، وكان معلوماً أن النسب متى ثبت من وجه أوجب التحريم، وإن لم يثبت من وجه آخر، كذلك الرضاع يجب أن يكون هذا حكمه في إيجاب التحريم بالرضعة الواحدة لتسوية النبي ÷ بينهما فيما علق بها حكم التحريم. اهـ المراد.

  وبعد هذا أورد في ص ٦٧، ج ٣، حديث (المصة والمصتان والمجة والمجتان) وختم قوله


(١) أي العمل به.