(فصل): [في الانتقال عن حكم الأصل من طهارة أو نجاسة، وذكر مسائل مما يعمل فيها بالعلم أو بغيره]
  الظنون الصادرة عن الأمارة ما لم يحصل علم يقين بنجاسته أو خبر عدل.
  مثاله: أن يأخذ الإنسان ماءً نابعاً من الأرض أو نازلاً من السماء فيضعه في إناء ويغفل عنه(١) وعنده كلاب لا غير، ثم يأتي وقد نقص وترششت جوانب الإناء، والكلاب تلمق، فيظن أنها ولغت فيه في غفلته، فإنه لا يعمل بظنه؛ لأنه من طهارة الماء على يقين فلا ينتقل عنه إلا بيقين.
(١) وحد الغفلة في الشتاء سبعة أيام، وفي الصيف ثلاثة أيام.
فائدة: وجد بخط الإمام القاسم بن محمد #: اعلم أن من وجد الماء ناقصاً عن ملء الإناء بعد أن كان كاملاً، وقد غفل عنه وعنده كلاب لا غير، ووجدها تتلمق، وجوانب الإناء مرشوشة - فإنه يجب عليه تركه والعدول إلى التيمم، لا لأجل أنه حصل له ظن بنجاسته مقارب كما عزي إلى المؤيد بالله، بل لأجل أنه يحصل بذلك العلم الذي ينسخ به حكم الأصل الذي هو الطهارة؛ لأن العلم علمان: ضروري واستدلالي، وهذا من الاستدلالي؛ لأن نقصان الإناء، وترشرش جوانبه، وتلمق الكلاب، وعدم من يُجوَّز أنه الذي نقصه غيرها دليلٌ موصل إلى العلم بنجاسته، كالعالَم دليل على الله تعالى؛ لأنه أثر، والأثر دليل على المؤثر، ولو كان كما يزعمون أنه ظن مقارب للعلم لكان معرفة الله كذلك وليس بعلم، وذلك ظاهر البطلان، من حيث إنه جحدٌ للضرورة، ألا ترى أن كل عاقل يعلم ضرورة أن الأثر يدل على أن له مؤثراً[١]، فإن أثر الأقدام تدل على سير الإنسان، وأثر الأخفاف تدل على سير الإبل. اهـ احتجاج القاسم على أن الأثر يدل على أن له مؤثراً مسلَّم، ونحن نقول بموجبه، فالعالَم دليل يحصل به العلم بوجود المؤثر، وإنما أفاد العلم للقطع بالتأثير من جهة فاعله وانتفاء احتمال المشاركة، ونقصان الماء أثر، ونحن نسلم لزوم وجود مؤثر له، ولا نسلم القطع بحصوله من جهة الكلاب؛ لاحتمال مؤثر غيرها، ولم نحكم بفقدان من يجوز منه التأثير كما في الشرح؛ إذ لو حكمنا بالفقدان التزمنا ما ذكره القاسم #. وقوله في أثناء كلامه: «وعدم من يجوز أنه الذي نقصه غيرها» لم يكن في كلام أهل المذهب ما يدل عليه، كما ذلك ظاهر. وقوله في الشرح: «وعنده كلاب لا غير» لا يدل على نفي ما يرد عليه من غيرها بعد غيبته فتأمل. ويلزم القاسم من ذلك أن يقول بجواز الشهادة على من وُجد عنده قتيل وبيده سكين ملطخة بالدم؛ إذ هي كهذه. (شوكاني).
[١] يقال: قد يجوز أنه من فعل الجن أو الزلزلة، فلا يكون كالاستدلال بالعالَم على الله سبحانه.