(باب والقضاء)
= ظنه، وكذا قالوا: لو غلب في ظنه أن المعطي قصد القربة لا وجه سواها جاز له أخذ ما أعطاه، إلى غير ذلك، وكذلك لو غلب في ظنه أن المشتري أو البائع لم يحابه. فأما ما شرط علي # على شريح فذلك على سبيل البعد عن التهمة، وقد كان رسول الله ÷ يبيع ويشتري، وكذلك الخلفاء ربما باعوا أرضاً وربما شروها، وذلك موجود في سيرهم. وأما الحديث الذي هو قوله ÷: «لعن الله الوالي يتجر في رعيته» فالمراد به أن يشتغل بالتجارة؛ لأنه إذا توسع فيها وحرص عليها حمله ذلك على قبول المحاباة، وشغله عن النظر في مصالح الرعية، وأما إذا أراد بيع ثوب له أو بهيمة أو عبد أو أن يؤجر شيئاً من ذلك فله أن يماكس ويستثمن ما لم يظن المحاباة، وليس بتجارة في العرف؛ إذ التجارة في العرف ما قصد به تحصيل الفوائد بتكرير البيع والشراء فيه، فأما بيع الشيء مرة واحدة أو شراؤه لنفسه فليس بتجارة عرفاً.
الوجه الثالث: أنه قد علم من كثير من القضاة ممن تولى القضاء أنه كان يحب ألا يأكل إلا من حرفة له يشتغل بها تورعاً وتعففاً، ولم يعده أحد قدحاً، بل قد روي عن داود وسليمان @ أن كل واحد اتخذ حرفة يعيش بما يتحصل منها، فكيف يكون ذلك محظوراً؟ ومن فضلاء زماننا حي الفقيه شرف الدين حسن بن محمد النحوي ¦، فإن اشتغاله بالنسخ للناس مشهور لا يمكن إنكاره مع توليه القضاء، ومع شدة ورعه لم يكن يتحرى فيما يأخذه أجرة المثل؛ إذ يصعب ضبط ذلك سيما على من كان بمنزلته في الورع والتقشف، ولم ينكره عليه أحد في زمانه مع ظهوره لهم. (من الغيث المدرار).