الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(لا وضوء من أكل لحم الإبل)

صفحة 101 - الجزء 1

  أقول: لا يخفاك أن ما مسته النار عامّ في كل ما يتوقف أكله على عرضه على النار من جزور وشاة وغيرها فيدخل فيه الجزور والشاة والخبز وغيره، فالحديث منسوخ، ولا تسمع للشذوذ، ويكفي عمل الخلفاء الأربعة لمن يقنعه الدليل، وغرضه الحق ولم يغتر بالتهويل.

  ثم قال: «وأما حمله الوضوء على غسل اليد فالواجب علينا حمل ألفاظ الشارع على الحقائق الشرعية إن وجدت، وهي هنا موجودة فإنه في لسان الشارع وأهل عصره لغسل أعضاء الوضوء لا لغسل اليد فقط». اهـ كلامه.

  أقول: قال النووي في «شرح صحيح مسلم» ج ٤ ص ٤٣ ما لفظه: ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار، ممن ذهب إليه: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن سمرة، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو هريرة، وأبي بن كعب، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وعائشة، وذهب إليه جماهير التابعين وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه. اهـ.

  ثم قال: وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار⁣(⁣١) بجوابين أحدهما: أنه منسوخ بحديث جابر ¥ قال: كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مسته النار. وهو حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن بأسانيدهم الصحيحة.

  والجواب الثاني: أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين.

  ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار. اهـ المراد.


(١) قال في «السلسلة الصحيحة» ما لفظه: حديث عبد الله بن الحارث بن جزء قال: كنا نأكل على عهد رسول الله ÷ في المسجد الخبز واللحم ثم نصلي ولا نتوضأ، أخرجه ابن حبان وإسناده صحيح.

وحديث «رأيت رسول الله ÷ يأكل مما مسته النار ثم يصلي ولا يتوضأ» حسن عن علقمة، أخرجه أحمد عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن علقمة القرشي قال: دخلنا بيت ميمونة زوج النبي ÷ فوجدنا فيه ابن عباس فذكرنا الوضوء مما مست النار فقال عبد الله (فذكره) اهـ.