الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

التيمم

صفحة 176 - الجزء 1

التيمم

  قال الشوكاني: «فتكون الأعذار ثلاثة: السفر والمرض وعدم الوجود للماء في الحضر وهذا ظاهر على قول من قال: إن القيد إذا وقع بعد جمل متصلة كان قيداً لآخرها». اهـ كلامه.

  أقول: على قوله تعالى⁣(⁣١) لا يكون عدم الماء إلا لقوله: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}⁣[النساء: ٤٣]؛ لأنه الأخير.

  أما الجمل الأُوَل، فليست مقيدة بقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاء}⁣[النساء: ٤٣] فمن جاء من الغائط في الحضر أو في السفر ففرضه التيمم، وهذا من الغرابة بمكان!

  ثم إن القيد الواقع بعد الجمل أو بعد المفردات يحكمه مقتضى الحال، فإن كان الحال يقتضي عوده إلى الأخير أو إلى اثنين منه عاد وقصر عليه لمانع مقتضى الحال على الباقي كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ٤ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا}⁣[النور: ٤ - ٥].

  ولو عادت على الكل لسقط الحد، فوقع الإجماع على عدم رجوعها للكل، لأن الحد لا يسقط بالتوبة، فعاد عند الإمام الشافعي | إلى {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} فقبل شهادتهم لقوله سبحانه: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا}.

  وعندنا وعند أبي حنيفة | هي جملة مستأنفة فلا تقبل له شهادة أبداً؛ لأنه فاسق جارحة.

  وهاهنا لا مانع في عوده إلى الكل؛ لانعقاد الإجماع على أن واجد الماء يجب عليه استعماله، ولا رخصة في التيمم؛ لأن السفر سبب والسبب لا يقتضي وجوداً للحكم ولا عدماً.


(١) {فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا}.