مجيء (إلا) بمعنى الواو
  أقول: نعم: لا يعتد الأمير الحسين وغيره من أهل البيت بتصحيح المحدثين لحديث الناصبي ولا يعتدون بتجريح المحدثين للشيعي، لأن توثيق الناصبي وتوهين الشيعي مخالف للحديث الصحيح عند الجميع «لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».
  ثم أخذ الشوكاني يمدح أهل الحديث ويفيض عليهم الثناء ويوجب الرجوع إليهم وليس قصده إلا ما يقال في «علم البديع» الذم الموجّه أو المدح الموجّه كقول حسان وقد قصد أن يذم الحارث بن هشام - أخا أبي جهل - لفراره من معركة بدر، فأنشأ - وكأنه يدعو على مخاطبته - يقول:
  إن كنتِ صادقة الذي حدثتِني ... فنجوتُ منجا الحارث بن هشام
  وهنا ما قَصْده إلا الحط من أئمة أهل البيت - سلام الله عليهم - حط الله من قدره في الأولى والأخرى.
  وقال في أثناء المدح لأهل الحديث: «لأنهم لم يتقيدوا بمذهب» ا هـ كلامه.
  أقول: لعمري إنها لفرية ما فيها مرية.
  فالإمام أبو حنيفة له مسند في الحديث، وهو من أعلام المحدثين، وله مذهب معين لا يخرج عنه، ومعه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهم، والإمام مالك له مسند مالك «الموطأ» وله فقه المدوّنة، والإمام الشافعي من أئمة الحديث وله مذهب معروف وفقه وأتباع، ومن أتباعهم من بلغ الذروة في علم الحديث واشتهر عنهم التعصب لمذهبهم وهم أعلام نقّاد كالحافظ البيهقي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والنووي، والدارقطني، والصراع معروف بين أتباع الحنفية والمالكية والشافعية لا يُنْكَرُ، كل يدّعي الحق مع إمامه وفي حوزته.
  ومثل هذا لا يحتاج إلى بيان، وأحمد بن حنبل له مسند وهو من أئمة الحديث وله مذهب وأتباع يخدمون مذهبه، ولا غرو فالهوى لا يقف عند حد، يحمل صاحبه: إنْ أبغَضَ سَلَبه حسناتِهِ وإن أحبَّ منحه ما لا يستحق، وهذا ما نُعانيه من مخُرّبي المذهب الشريف!
  ثم قال مصرحاً بذم علماء الزيدية: «ومع هذا فترى من تصدى للتأليف قاصداً للمحاماة عن مذهب قد دب عليه ودرج وألفته نفسه ووجد عليه أسلافه» ا هـ كلامه.