الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(وجوب النية)

صفحة 255 - الجزء 1

(وجوب النية)

  قال الشوكاني: «قوله: أحدها النية والقول بوجوبها مجمع عليه بين علماء الإسلام، أقول: الخلاف في الوجوب محكي في «البحر» وعندي أن المقرر في حديث «إنما الأعمال بالنيات» إن كان الحصول أو الوجود أو الثبوت أو الصحة أو ما يلاقي هذه الأمور في المعنى الذي لا تكون الصلاة شرعية إلا به فالنية في مثل الصلاة شرط من شروطها؛ لأنه قد استلزم عدمها عدم الصلاة وهذه خاصة الشروط، وإن كان المقرر الكمال أو ما يلاقيه في المعنى الذي تكون الصلاة شرعية بدونه فليست النية بواجبة فضلاً عن أن تكون شرطاً لكن قد عرفت رجحان التقدير المشعر بالمعنى الأول بما قدمنا تحقيقه في معنى النفي لكون الحصر بإنما في معنى (ما الأعمال إلا بالنية) وإن اختلفا في أمور خارجة عن هذا كما تقرر في علمي المعاني والأصول، والنفي يتوجّه إلى المعنى الحقيقي وهو الذات الشرعية وانتفاؤها ممكن؛ لأن الموجود في الخارج ذات غير شرعية وعلى فرض وجود مانع عن التوجه إلى المعنى الحقيقي فلا ريب أن الصحة أقرب إلى المعنى الحقيقي من الكمال لاستلزامها لعدم الاعتداد بتلك الذات، وترجيح أقرب المجازين متعين، فظهر بهذا أن القول بأن النية شرط للصلاة أرجح من القول بأنها من جملة واجباتها، وقد زعم بعضهم أن المراد بحديث «إنما الأعمال بالنيات» الإخلاص لا مجرد القصد والإرادة الذي هو مفهوم النية، واستدل لذلك بما في آخر الحديث «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله»، والإخلاص غير النية فلا يكون الحديث دليلاً على كون النية شرطاً أو واجباً، وفي هذا عندي إشكال لأن النية في اللغة ليست الإخلاص ولم يتقرر ثبوت حقيقة شرعية أن النية هي الإخلاص فحينئذ إن كان لفظ النية مشتركاً بين الإرادة والإخلاص أو مجازاً في الإخلاص كان لما زعمه ذلك البعض وجه، ويكون آخر الحديث قرينة صارفة أو معيِّنة، وإن لم يكن الأمر كذلك وهو الظاهر فلا وجه له ويكون الكلام في آخر الحديث باعتبار الإخلاص لكونه مترتباً على النية المذكورة في أوله، وذلك غير غريب في لغة العرب كما تقول: (إنما