الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

صفحة 270 - الجزء 1

  تأويل ما ظهر خلاف ذلك، قال الشيخ أبو محمد المقدسي: ثم للناس في تأويله والكلام عليه خمس طرق: إحداها: وهي التي اختارها ابن عبد البر أنه لا يجوز الاحتجاج به؛ لتلونه واضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها، فلا حجة في شيء منها عندي؛ لأنه قال مرة: (كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين) ومرة: (كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم)، ومرة: (كانوا لا يقرأونها)، ومرة: (لم أسمعهم يقرأونها)، ومرة قال وقد سئل عن ذلك: (كبرت ونسيت) فحاصل هذه الطريقة إنما نحكم بتعارض الروايات ولا نجعل بعضها أولى من بعض فيسقط الجميع، الطريقة الثانية: أن نرجح بعض ألفاظ هذه الروايات المختلفة على باقيها، ونرد ما خالفها إليها، فلا نجد الرجحان إلا للرواية التي على لفظ حديث عائشة (أنهم كانوا يفتتحون بالحمد لله) أي بالسورة، وهذه طريقة الإمام الشافعي ومن تبعه؛ لأن أكثر الرواة على هذا اللفظ، ولقوله في رواية الدارقطني: (بأم القرآن) فكأن أنساً أخرج هذا الكلام مستدلاً به على من يجوز قراءة غير الفاتحة أو يبدأ بغيرها، ثم افترقت الرواة عنه فمنهم من أداه بلفظه فأصاب، ومنهم من فهم منه حذف البسملة فعبر عنه بقوله: (كانوا لا يقرأون، أو فلم أسمعهم يقرأون البسملة) ومنهم من فهم الإسرار فعبر عنه، فإن قيل: إذا اختلفت ألفاظ روايات حديث قضى المبين منها على المجمل، فإن سلم أن رواية (يفتتحون) محتملة، فرواية (لا يجهرون) تعين المراد، قلنا: ورواية (بأم القرآن) تعين المعنى الآخر فاستويا، وسلم لنا ما سبق من الأحاديث المصرحة بالجهر عن أنس وغيره، وتلك لا تحتمل تأويلاً، وهذه أمكن تأويلها بما ذكرناه فأولت وجمع بين الروايات وألفاظها. اهـ المراد.

  وقال في ص ٢١٥ ج ٣ ما لفظه: قال أبو محمد: وإن رمنا ترجيح الجهر فيما نقل أنس قلنا: هذه الرواية التي انفرد بها مسلم المصرحة بحذف البسملة أو بعدم الجهر بها قد عللت وعورضت بأحاديث الجهر الثابتة عن أنس، والتعليل يخرجها من الصحة إلى الضعف؛ لأن من شرط الصحيح ألا يكون شاذاً ولا معللاً وإن اتصل سنده بنقل عدل ضابط عن مثله، فالتعليل يضعفه؛ لكونه قد اطلع فيه على علة خفية قادحة في صحته،