وجوب التشهد الأخير
  ثم قال الشوكاني: «وأحاديث التشهد الصحيحة التي فيها لفظ: (قولوا) وإن كان أصل الأمر للوجوب لكنه مصروف عن حقيقته بحديث المسيء، ويشكل على ذلك قول ابن مسعود: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد) الحديث، فإن هذه العبارة تدل على على أن التشهد من المفترضات ويمكن أن يقال: إن فهم ابن مسعود للفرضية لا يستلزم أن يكون الأمر كذلك؛ لأنه من مجالات الاجتهادات واجتهاده ليس بحجة على أحد، وأيضاً بعض التشهد تعليم كيفية، وتعليم الكيفيات وإن كان بلفظ الأمر لا يدل على وجوبها، وما نحن بصدده من ذلك فإنه وقع في جواب: كيف نصلي عليك؟». اهـ كلامه.
  أقول: لا يخفاك أن ابن مسعود لم يقل هذا القول إلا بعد أن أخذ رسول الله ÷ يده وقال له: (إذا قلت هذا فقد تمت صلاتك).
  وقول الشوكاني: «إن الصلاة على النبي غير واجبة؛ لأنها جواب عن كيفية، والذي يجيء جواباً عن كيفية لا يكون واجباً وإن كان بلفظ الأمر». اهـ.
  إذاً ما ورد في حديث المسيء كلُّه غيرُ واجبٍ؛ لأنه قال: (علّمني فوالذي بعثك بالحق لا أحسن غيره)! وقولُه ÷ لابنة جحش وغيرها «اغسلي عنك الدم وصلي» أو «دعي الصلاة أيام أقرائك» غيرُ واجبٍ! لأنه جواب عن سؤال عن كيفية!
  وهذه عثرة من عثرات القاضي؛ لأن الأمر القرآني في قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: ٥٦] أجمع العلماء على وجوبه، فسألوه بياناً لهذا الواجب الذي طوَّق أعناقهم فقال: «قولوا: اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد، والسلام ما قد علمتم».
  ومن أين للشوكاني أن ما كان جواباً عن سؤال كيفية لا يجب ولو كان بلفظ الأمر، وهو يقتضي الوجوب؟! هذا من جهة، ثم إن أحاديث التشهد لم ترد عن سؤال كيفية، وهذا حديث ابن مسعود: «أخذ رسول الله ÷ بيدي» ثم سرد الحديث.
  وفي رواية: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال رسول الله ÷: «لا تقولوا هكذا فإن الله هو